أبو حنيفة لا يجد في ذلك عددًا، وقال أصحابنا: إذا صاد الكلب وأمسك ثلاث مرات.. فقد حصل له التعليم، وقال غيرهم: إذا فعل ذلك مرة واحدة.. فقد صار معلَّمًا.
وقوله: ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: إن تعليمكم إياهن ليس من قبل أنفسكم، إنّما هو من العلم الذي علمكم الله، وهو أن جعل لكم روية وفكرًا، بحيث قبلتم العلم، فكذلك الجوارح، يصير لها إدراك ما وشعور بحيث يقبلن الائتمار والانزجار، وفي قوله: ﴿مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ إشعار ودلالة على فضل العلم وشرفه، إذ ذكر ذلك في معرض الامتنان، ومفعول علم وتعلمونهن الثاني محذوف، تقديره: وما علمتموه طلب الصيد لكم، لا لأنفسهن تعلمونهن ذلك، وفي ذلك دلالة على أن صيد ما لم يعلم حرام أكله؛ لأن الله تعالى إنما أباح ذلك بشرط التعليم، والدليل على ذلك الخطاب في ﴿عَلَيْكُمْ﴾ في قوله: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ وغير المعلم إنما يمسك لنفسه، وقوله: ﴿مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: من الأدب الذي أدبكم به تعالى، وهو اتباع أوامره واجتناب نواهيه، فإذا أمر فائتمر، وإذا زجر فانزجر.. فقد تعلم مما علمنا الله تعالى. انتهى. والفاء في قوله: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ تفريعية (١)؛ لأنّ الجماة مفرعة على ما تقدم من تحليل صيد ما علموه من الجوارح، و ﴿مِنْ﴾ في قوله: ﴿مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ للتبعيض؛ لأنّ بعض الصيد لا يؤكل، كالجلد، والعظم، والفرث، وما أكل الكلب منه؛ أي: كلوا بعض ما أمسكنه لكم، وهو الذي لم يأكلن منه.
أي: فكلوا (٢) من الصيد ما تمسكه الجوارح عليكم؛ أي: تصيده لأجلكم، فتحبسه وتقفه عليكم بعدم أكلها منه، فإنْ أكلت منه.. فلا يحل أكل ما فضل عنها عند الجمهور؛ لأنه مثل فريسة السبع المحرمة في الآية السالفة. ﴿وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾؛ أي: سموا الله على ما علمتم من الجوارح عند إرساله إلى الصيد؛
(٢) المراغي.