ينتهي بموته، وأجلًا لإعادتهم وبعثهم بعد موت الجميع وانقضاء مدة الدنيا. ومعنى كونه مسمى عنده: أنه لا يعلمه غيره؛ لأنه لم يُطلع أحدًا على يوم القيامة لا ملكًا مقربًا، ولا نبيًّا مرسلًا، والمراد بقوله: ﴿عِنْدَهُ﴾: في اللوح المحفوظ الذي لا يطلع عليه غيره ﴿ثُمَّ﴾ بعد ظهور مثل هذه الحجة الباهرة ﴿أَنْتُمْ﴾ أيها المشركون ﴿تَمْتَرُونَ﴾؛ أي: تشكون في البعث، وتكذبون به بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم من طين، ومن قدر على الابتداء.. فهو أقدر على الإعادة، وهذا (١) استبعاد لامترائهم بعد ما ثبت أنه خالقهم وخالق أصولهم، ومحييهم إلى آجالهم، فإن من قدر على خلق المواد وجمعها، وإيداع الحياة فيها وإبقائها ما يشاء.. كان أقدر على جمع تلك المواد وإحيائها ثانيًا، فالآية الأولى دليل التوحيد، والثانية دليل البعث، ويؤخذ منه صحة الحشر والنشر.
٣ - والضمير في قوله: ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ﴾ مبتدأ، ولفظ الجلالة خبره، والجار والمجرور متعلق بلفظ الجلالة؛ لأنه بمعنى المعبود، والضمير عائد الإله الموصوف بالصفات السابقة، وهي: خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، وخلق الناس من طين إلى آخرها، فكان في الإخبار بذلك فائدة، وهذا ما عليه الجمهور.
والمعنى: ﴿وَهُوَ﴾؛ أي: خالق السموات والأرض وجاعل الظلمات والنور إلخ ﴿اللَّهُ﴾؛ أي: المعبود المستحق للعبادة ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ﴾، والمتصرف فيهما لا غير، وقوله: ﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ﴾ في القلوب من الدواعي والصوارف ﴿وَجَهْرَكُمْ﴾ في الجوارح من الأعمال، خبر بعد خبر جيء به تقريرًا وتوكيدًا لما قبله؛ لأن الذي يستوي في علمه السر والجهر هو الله وحده، والمراد بالسر: ما يخفيه الإنسان في ضميره، فهو من أعمال القلوب وبالجهر ما يظهره الإنسان فهو من أعمال الجوارح. والمعنى: إن الله لا يخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾؛ أي: مكتسبكم؛ أي: ما تستحقون على فعلكم من الثواب والعقاب.
بقي في الآية سؤال (٢)، وهو أن الكسب، إما أن يكون من أعمال القلوب،
(٢) الخازن.