وتضمنت (١) هذه الآية مذمة هؤلاء الذين كفروا بأنهم يعرضون عن كل آية ترد عليهم،
٥ - ولما تقدم الكلام أولًا في التوحيد، وثانيًا في المعاد، وثالثًا في تقرير هذين المطلوبين.. ذكر بعد ذلك ما يتعلق بتقرير النبوة، وبيَّن فيه أنهم أعرضوا عن تأمل الدلائل، ويدل ذلك على أن التقليد باطل، وأن التأمل في الدلائل واجب، ولذلك ذموا بإعراضهم عن "الدلائل" فقال: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾؛ أي: فقد كذب أهل مكة ﴿بِالْحَقِّ﴾ الذي هو تلك الآية السابقة بتفصيلها ﴿لَمَّا جَاءَهُمْ﴾؛ أي: حين جاءهم وأتاهم ذلك الحق؛ أي: فقد كذب أهل مكة بالمعجزات كانشقاق القمر بمكة وانفلاقه فلقتين، فذهبت فلقة وبقيت فلقة، أو بالقرآن، أو بمحمد - ﷺ -. وظاهر (٢) قوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾ أن الفاء للتعقيب، وأن إعراضهم عن الآية أعقبه التكذيب ﴿فَسَوْفَ يَأتِيهِمْ﴾؛ أي: يأتي أهل مكة ﴿أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾؛ أي: أخبار (٣) عاقبة الشيء الذي كانوا به يستسخرون، وهو القرآن، أو محمد - ﷺ - على أن ﴿مَا﴾ عبارة عن ذلك الشيء، أبهمه تهويلًا للأمر وتعظيمًا له؛ أي: سيعرفون أن هذا الشيء الذي استهزؤوا به ليس بموضع للاستهزاء، وذلك عند إرسال عذاب الله عليهم، أو المعنى: سوف يأتيهم أخبار عاقبة كونهم مستهزئين بذلك الحق يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب على أن ﴿مَا﴾ مصدرية. والأنباء (٤): جمع نبأ، وهو الخبر العظيم المزعج، وجمعه إشارة إلى تكرر الجزاء لهم في الدنيا ويوم القيامة.
والخلاصة: فسوف يأتيهم جزاء استهزاء الذي كانوا يستهزئون به في العاجل بالقتل والأسر، والآجل بالعذاب الدائم في النار، وهذه الجملة معطوفة على محذوف تقديره: فقد كذبوا بالحق لما جاءهم واستهزئوا به، فسوف يأتيهم إلخ.
ولما هددهم وأوعدهم على إعراضهم وتكذيبهم واستهزائهم.. أتبع ذلك بما يجري مجرى الموعظة والنصيحة، وحض على الاعتبار بالقرون الماضية،
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني بتصرف.
(٤) الصاوي.