٦ - فقال: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ ويروا هنا بمعنى: يعلموا؛ لأنهم لم يبصروا هلاك القرون السالفة، والهمزة فيه للاستفهام التقريري، لا للإنكار كما قاله الشوكاني؛ لأن الاستفهام الإنكاري بمعنى النفي، فلا يدخل على حرف النفي، ونظير ما هنا قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾، وكم خبرية بمعنى: عدد كثير؛ أي: ألم يعلم هؤلاء الكفار المعرضون عن آياتنا المكذبون لرسولنا محمد - ﷺ - يعني: أهل مكة؛ أي: لم يعلموا بسماع الأخبار ومعاينة الآثار في أسفارهم للتجارة إلى الشام في الصيف، وإلى اليمن في الشتاء، كم من قرن أهلكنا من قبلهم؛ أي: أهلكنا من قبل زمان أهل مكة كثيرًا من الأمم السالفة قرنًا بعد قرن؛ بسبب تكذيبهم الرسل، كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وغيرهم.
والقرن (١): يطلق على أهل كل عصر سموا بذلك؛ لاقترانهم، وقيل: القرن مدة من الزمان، وهي: ستون عامًا أو سبعون أو ثمانون أو مئة على اختلاف الأقوال، فيكون ما في الآية على تقدير مضاف محذوف؛ أي: من أهل قرن. وقوله: ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾؛ أي: القرن، وجمع الضمير باعتبار كون القرن جمعًا في المعنى، وجملة ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾، والجملتان بعدها نعوت لـ ﴿قَرْنٍ﴾؛ أي: قرنًا موصوفًا بالصفات الثلاث، وقيل: مستأنفة؛ أي: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من القرون الموصوفين بكونهم ﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ يا أهل مكة؛ أي: أعطينا أولئك القرون والجماعة من البسطة في الأجساد والامتداد في الأعمار والسعة في الأموال، والاستظهار بأسباب الدنيا ما لم نعطكم يا أهل مكة، ومع ذلك فقد أهلكناهم بذنوبهم، ولم ينفعهم ولم يدفع عنهم التمكين وما بعده من الصفات عذاب الله حين جاءهم، فيخاف على أهل مكة أن ينزل بهم الهلاك مثل ما نزل بمن قبلهم مع أن من قبلهم كانوا أعظم شأنًا منهم، لكن لما كذبوا الرسل.. استحقوا الهلاك، فكذلك أهل مكة، إن استمروا على تكذيب محمد - ﷺ - يخشى عليهم الهلاك مثلهم. وفي قوله: ﴿لَكُمْ﴾ التفات إلى الخطاب عن الغيبة التي في