٩ - والوجه الثاني: قوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ﴾؛ أي: ولو جعلنا الرسول ﴿مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ﴾؛ أي: لجعلنا الملك ﴿رَجُلًا﴾؛ أي: على صورة الرجل؛ لأن البشر لا يستطيعون أن ينظروا إلى الملائكة في صورهم التي خلقوا عليها، ولو نظر إلى الملك ناظر من الآدميين لصعق عند رؤيته. ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾؛ أي (١): ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكوا فلا يدروا أملك هو أم آدمي؟ فإنما طلبوا حال لبس لا حال بيان؛ لأنهم إذا رأوه في صورة إنسان.. قالوا: هذا إنسان مثلكم وليس بملك، فإن استدل لهم بأنه ملك كذبوه. قال الزجاج: المعنى: للبسنا عليهم؛ أي: على رؤوسائهم كما يلبسون على ضعفتهم، وكانوا يقولون لهم: إنما محمد بشر وليس بينكم وبينه فرق، فيلبسون عليهم بهذا، ويشككونهم، فأعلم الله عَزَّ وَجَلَّ أنه لو نزل ملكًا في صورة رجل.. لوجدوا سبيلًا إلى اللبس كما يفعلون. وفي "تنوير المقباس": ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على الملائكة ﴿مَا يَلْبِسُونَ﴾؛ أي: مثل ﴿مَا يَلْبِسُونَ﴾؛ من الثياب، ويقال: وللبسنا عليهم؛ أي: خلطنا عليهم صورة الملك ﴿مَا يَلْبِسُونَ﴾؛ أي: كما يخلطون على أنفسهم صفة محمد ونعته انتهى.
والحاصل (٢): أنه كان لكفار مكة اقتراحان تقدموا بهما إلى النبي - ﷺ - في مواطن مختلفة:
١ - أن ينزل على الرسول ملك من السماء يكون معه نذيرًا يرونه ويسمعون كلامه، وإلى هذا أشار بقوله: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾.
٢ - أن ينزل الملك عليهم بالرسالة من ربهم، والاقتراح الأول مبني على اعتقاد أنَّ أرقى البشر عقلًا وأخلاقًا وآدابًا - وهم الرسل عليهم السلام - ليسوا بأهل لأن يكونوا رسلًا بين الله وبين عباده؛ لأنهم بشر يأكلون ويشربون كما جاء في سورة المؤمنين: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأكُلُ مِمَّا تَأكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ

(١) الواحدي.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon