٤ - أنهم اقترحوا ما لا يتوقف عليه الإيمان، فلو أعطوه ولم يجد ذلك معهم نفعًا.. دل ذلك على منتهى العناد الذي يستدعي الإهلاك وعدم النظرة.
وقرأ ابن محيصن (١): ﴿وَلَلَبَسْنَا﴾ بلام واحدة، والزهري: ﴿وَلَلَبَسْنَا﴾ بتشديد الباء.
١٠ - ثم قال سبحانه وتعالى مؤنسًا لنبيه - ﷺ - ومسليًا له. ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد استسخر واستحقر برسل أولي شأن خطير وذوي عدد كثير كائنين في زمان قبل زمانك؛ أي: استهزأ بهم قومهم كما استهزأ بك قومك أهل مكة. ﴿فَحَاقَ﴾؛ أي: أحاط ونزل وحل ﴿بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ﴾؛ أي: بالكفار الذين سخروا من أولئك الرسل ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾؛ أي: العذاب الذي كانوا يستهزئون به وينكرونه حينما أخبرتهم به الرسل؛ لأن الكفار كانوا يستهزئون بالعذاب الذي كان يخوفهم الرسول بنزوله.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى أخبر (٢) رسوله - ﷺ - بأن الكفار قد استهزؤا برسل كرام قبلك، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَأتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١١)﴾ فما تراه من استهزاء كفار قريش بك ليس ببدع منهم، بل هم جروا فيه على آثار أعداء الرسل قبلك، وقد حل بأولئك الساخرين العذاب الذي أنذرهم إياه أولئك الرسل جزاء على سوء صنيعهم.
وفي الآية وجوه من العبر:
١ - تعليم النبي - ﷺ - سنن الله في الأمم مع رسلهم.
٢ - تسلية له عن إيذاء قومه له.
٣ - بشارة له بحسن العاقبة، وما سيكون له من الغلبة والسلطان، وما سيحل بأولئك المستهزئين من الخزي والنكال، وقد أهلكهم الله تعالى، وامتن على نبيه بذلك في سورة الحجر: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)﴾ والمشهور أنهم كانوا خمسة من رؤساء قريش هلكوا كلهم يوم أحد.

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon