أهلك بذنوبهم.. أمر الله تعالى نبيه بأن يرشدهم إلى الطريق الذي يوصلهم إلى علم ذلك بأنفسهم، وهو السير في الأرض، والنظر فيما حلَّ بالمكذبين ليعتبروا بذلك، فللرؤية من الاعتبار ما لا يكون في السماع كما قال بعض العصريين:
لَطَائِفُ مَعْنَىً في الْعِيَانِ وَلَمْ تَكُنْ | لِتُدْرَكَ إلا بِالتَّزَاوُرِ وَاللِّقَا |
١١ - فقال
﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المستهزئين من قومك
﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: قل لهم لا تغتروا بما وجدتم من الدنيا وطيباتها، ووصلتم إليه من لذاتها وشهواتها، بل سيروا في نواحي الأرض لتعرفوا صحة ما أخبرتكم به من نزول العذاب على الذين كذبوا الرسل في الأزمنة السالفة قيل: المراد بالسير: سير الأفكار، وقيل: سير الأقدام
﴿ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ فالنظر على القول الأول: نظر فكرة وعبرة، وهو بالبصيرة لا بالبصر، وعلى القول الثاني نظر العين والبصر، والمعنى على الأول: ثم تفكروا في أنهم كيف أهلكوا بعذاب الاستئصال، وعلى الثاني: ثم انظروا بأعينكم إلى آثار الأمم الخالية والقرون الماضية السالفة، فإنكم عند السير في الأرض والسفر في البلاد لا بد وأن تشاهدوا تلك الآثار، فيكمل الاعتبار ويقوى الاستبصار، والمعنى (١): قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين سافروا في الأرض وانظروا آثار من كان قبلكم لتعرفوا ما حل بهم من العقوبات، وكيف كانت عاقبتهم بعد ما كانوا فيه من النعيم العظيم الذي يفوق ما أنتم فيه، فهذه ديارهم خاربة وجناتهم مغبرة وأراضيهم مكفهرة، فإذا كانت عاقبتهم هذه العاقبة.. فأنتم بهم لاحقون وبعد هلاكهم هالكون.
وفي "الفتوحات" (٢) قوله:
﴿ثُمَّ انْظُرُوا﴾؛ أي: تفكروا وكلمة
﴿ثُمَّ﴾ إما لأن النظر في آثار الهالكين لا يتم إلا بعد انتهاء السير إلى أماكنهم، فالتراخي المفاد بـ
﴿ثُمَّ﴾ من حيث أن انتهاء السير بعيد عن ابتدائه، وإما لإظهار ما بين وجوب السير ووجوب النظر من التفاوت، فإن وجوب السير ليس إلا لكونه وسيلة