معبوداتهم وأنبياءهم وصلحاءهم أولياء من دون الله يتوجهون إليهم بالدعاء، ويستغيثون بهم، ويستشفعون بهم عند الله في قضاء حاجاتهم من نصر على عدو، وشفاء من مرض وسعة في رزق إلى نحو ذلك. وهذا بلا شك عبادة لغير الله وشرك بالله؟ لاعتقادهم أن حصول المطلوب من غير أسبابه العادية قد كان بمجموع إرادة هؤلاء الأولياء وإرادة الله، ويلزم هذا أن إرادة الله ما تعلقت بفعل ذلك المطلب إلا تبعًا لإرادة الولي الشافع أو المتخذ وليًّا وشفيعًا.
وقوله: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بدل من (١) الله أو صفة له، وقد تعرف بالإضافة؛ لأنه بمعنى الماضي بدليل قراءة ﴿فطر﴾ بصيغة الفعل الماضي فاتفقت الصفة والموصوف في التعريف؛ أي: موجد السموات والأرض ومنشئهما على غير مثال سبق.
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما عرفت ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها؛ أي: ابتدعتها. وقد كانت المادة التي خلقت منها السموات والأرض كتلة واحدة دخانية، ففتق رتقها، وفصل منها أجرام السموات والأرض، وهذا ولا شك ضرب من الفطر والشق قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ وفي ذلك تعريض بأن من فطر السموات والأرض بمحض إرادته بدون تأثير مؤثر ولا شفاعة شافع ينبغي أن لا يتوجه إلى غيره بالدعاء، ولا يستعان بسواه في كل ما وراء الأسباب.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فَاطِرِ﴾ بالجر على أنه بدل من الجلالة، أو صفة له كما مر. وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على إضمار: هو. وقرىء شاذًا بالنصب، والأحسن أن يكون نصبه على المدح. وقرأ الزهري: ﴿فطر﴾ على صيغة الفعل الماضي. وقد أكد ما تقدم وزاده تثبيتًا بقوله: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُطْعِمُ﴾ ويرزق ﴿وَلَا يُطْعَمُ﴾ ولا يُرزق كقوله تعالى: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)﴾
(٢) البحر المحيط بتصرف.