والمعنى (١): إن المنافع كلها من عند الله تعالى، وخص الإطعام من بين أنواع الانتفاعات؛ لأن الحاجة إليه أمس، كما خص الربا بالأكل، وإن كان المقصود الانتفاع بالربا.
والحاصل: أنه (٢) يرزق الناس الطعام وليس هو بحاجة إلى من يرزقه ويطعمه؛ لأنه منزه عن الحاجة إلى كل ما سواه أيًّا كان نوعها. وفي هذا إيماء إلى أن من اتخذوا أولياء من دونه من البشر محتاجون إلى الطعام، ولا حياة لهم بدونه، وأن الله هو الذي خلق لهم الطعام، فهم عاجزون عن خلقه وعاجزون عن البقاء بدونه، فأحرى بهم؛ أي: لا يتخذوا أولياء مع الغني الرزاق الفعال لما يريد. وإذا كان الإنكار توجه إلى البشر فأولى به أن يتوجه إلى الأصنام والأوثان؛ لأنها أضعف من البشر؛ إذ قد اتفق العقلاء على تفضيل الحيوان على الجماد، والإنسان على جميع أنواع الحيوان.
وقرأ الجمهور بضم الياء وكسر العين في الأول، وضمها وفتح العين في الثاني؛ أي: يرزق ولا يرزق كما فسرناه كذلك أولًا. وقرأ (٣) مجاهد وابن جبير والأعمش وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وأبو عمرو في رواية عنه: ﴿ولا يطعم﴾ بفتح الياء والعين في الثاني، والمعنى: أنه تعالى منزه عن الأكل، ولا يشبه المخلوقين. وقرأ يمان العماني وابن أبي عبلة: ﴿ولا يطعم﴾ بضم الياء وكسر العين مثل الأول، فالضمير في ﴿وهو يطعم﴾ عائد على الله، وفي ﴿ولا يطعم﴾ عائد على ﴿الولي﴾. وروى ابن المأمون عن يعقوب: ﴿وهو يطعم ولا يطعم﴾ علي بناء الأول للمفعول، والثاني للفاعل، فالضمير لغير الله. وقرأ الأشهب، ﴿وهو يطعم ولا يطعم﴾ علي بنائهما للفاعل، وفسر بأن معناه: وهو يطعم غيره ولا يستطعم لنفسه، وحكى الأزهري: أطعمت بمعنى: استطعمت. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون المعنى على هذه القراءة: ﴿وهو يطعم﴾ تارة ﴿ولا يطعم﴾ أخرى على حسب المصالح. وقرىء (٤) بفتح الياء والعين في الأول
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٤) الشوكاني.