لعباده، العالي فوقهم، القاهر لهم وهم مقهورون تحت قدرته، والقاهر والقهار معناه: الذي يدبر خلقه بما يريد، فيقع في ذلك ما يشق عليهم ويثقل ويغم ويحزن ويفقر ويميت ويذل خلقه، فلا يستطيع أحد من خلقه ردَّ تدبيره والخروج من تحت قهره وتقديره، وهذا معنى القاهر في صفة الله تعالى؛ لأنه القادر، والقاهر: الذي لا يعجزه شيء أراده. ومعنى فوق عباده هنا: أن قهره قد استعلى على خلقه، فهم تحت التسخير والتذليل بما علاهم به من الاقتدار والقهر الذي لا يقدر أحد على الخروج منه، ولا ينفك عنه، فكل من قهر شيئًا فهو مستعلٍ عليه بالقهر والغلبة. وقال "الشوكاني": ومعنى: ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم، لا فوقية المكان، كما تقول: السلطان فوق رعيته؛ أي: بالمنزلة والرفعة، وفي القهر معنى زائد ليس في القدرة وهو: منع غيره عن بلوغ المراد. انتهى.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْحَكِيمُ﴾ في أمره وتدبيره عباده ﴿الْخَبِيرُ﴾؛ أي: العالم بأعمالهم وما يصلحهم.
وخلاصة المعنى: أنه تعالى هو الغالب لعباده العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم، فهو فوقهم بالقهر وهم دونه، وهو الحكيم في تدبيره، الخبير بمصالح الأشياء ومضارها؛ ولا تخفى عليه خوافي الأمور ولا يقع في تدبيره خلل ولا في حكمته دخل.
١٩ - وقد ختم سبحانه هذه الأوامر القولية المبينة لحقيقة الدين وأدلته بشهادة الله لرسوله، وشهادة رسوله له، فقال: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾.
روى ابن عباس: أن رؤساء أهل مكة قالوا: يا محمد، ما وجد الله غيرك رسولًا، وما ترى أحدًا يصدقك، وقد سألنا اليهود والنصارى عنك، فزعموا أنه لا ذكر لك عندهم بالنبوة، فأرنا من يشهد لك بالنبوة؟ فأنزل الله قوله هذا: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد ﴿أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾؛ أي: قل لهؤلاء المشركين من قومك الذين يكذبونك ويجحدون نبوتك أيُّ شهيد أكبر شهادة وأعظمها وأجدر أن تكون شهادته أصحها وأصدقها؟ ثم أمره بأن يجيب عن هذا السؤال بأن أكبر الشهداء