اسكن؛ أي: اتخذ أنت وزوجك حواء الجنة مسكنا لكما؛ أي: محل سكون وإقامة لكما. وتخصيص (١) الخطاب في قوله: ﴿وَيا آدَمُ﴾ به للإيذان بأصالته في تلقي الوحي، وتعاطي المأمور به، وتعميمه في قوله: ﴿فَكُلا﴾ وفي وقوله: ﴿وَلا تَقْرَبا﴾ للإيذان بتساويهما في مباشرة المأمور به، وتجنب المنهى عنه، فحواء مساوية له فيما ذكر بخلاف السكنى؛ فإنها تابعة له فيها.
وفي «شرح المواهب» للزرقاني ما نصه (٢): واختلفوا في أن حواء خلقت في الجنة، فقال ابن إسحاق: خلقت قبل دخول آدم الجنة؛ لقوله تعالى: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾، وقيل: خلقت في الجنة بعد دخول آدم الجنة؛ لأنه لما أسكن الجنة مشى فيها مستوحشا، فلما نام خلقت من ضلعه القصرى من شقه الأيسر؛ ليسكن إليها، ويأنس بها. قاله ابن عباس، وينسب لأكثر المفسرين، وعلى هذا قيل: قال الله تعالى: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ بعد خلقها، وهما في الجنة، وقيل: قبل خلقها، وتوجه الخطاب للمعدوم لوجوده في علم الله تعالى. اه.
وقال المراغي: الجنة هي (٣) التي خلق فيها آدم لا جنة الجزاء، فآدم خلق من الأرض في الأرض. وقد (٤) تكررت هذه القصة في سبعة مواضع من الكتاب العزيز، ولم يرد في موضع منها أن الله رفعه إلى الجنة التي هي دار الجزاء، وإن كان الجمهور على أنها جنة الجزاء على الأعمال، ويرده أنه كلف فيها أن لا يأكل من تلك الشجرة، ولا تكليف في دار الجزاء، ولأنه نام فيها، وأخرج منها، ودخل عليه إبليس، ولا نوم في الجنة، ولا خروج بعد الدخول، ولا يمكن دخول الشيطان فيها بعد الطرد والإخراج.
والآية تدل على أن آدم كان له زوج في الجنة، وفي التوراة: أن الله ألقى على آدم سباتا، فانتزع في أثنائه ضلعا من أضلاعه، فخلق منه حواء امرأته، وأنها سميت امرأة؛ لأنها من امرىء أخذت وليس في القرآن ما يدل على هذا، وما

(١) أبو السعود.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.
(٤) المراغي.


الصفحة التالية
Icon