إلى الأرض. وقال الفخر الرازي: إن الذي تقدم ذكره هو آدم وحواء وإبليس، فقوله: ﴿اهْبِطُوا﴾ يجب أن يتناول هؤلاء الثلاثة، قيل: هبط آدم في الهند، وحواء بجدة، وإبليس بالأبلة - بضم الهمزة الموحدة وبتشديد اللام - جبل بقرب البصرة، والحية بأصبهان. وقال المراغي: يرى كثير من سلف الأمة أن هذا الخطاب لآدم وحواء وإبليس عليه اللعنة؛ أي: اهبطوا من هذه الجنة ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾؛ أي: حالة كون بعضكم عدوا لبعض آخر؛ أي: إن الشيطان عدو للإنسان، فعلى الإنسان أن لا يغفل عن عداوته، ولا يأمن وسوسته وإغواءه كما جاء في قوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦)﴾ فالعداوة ثابتة بين آدم وإبليس، وذرية كل منهما. وهذا (١) الإخراج من ذلك النعيم عقاب على تلك المعصية التي بها ظلما أنفسهما، وقد قضت به سنة الله في الخلق، إذ جعله أثرا طبيعيا للعمل السيء مترتبا عليه إما العقاب الأخروي على عصيان الرب، فقد غفره الله له بالتوبة التي أذهبت أثره من النفس، وجعلتها محلا لاصطفائه كما قال في سورة طه: ﴿وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢)﴾.
﴿وَلَكُمْ﴾ يا آدم وحواء وإبليس مع ذريتكم ﴿فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾؛ أي: استقرار وبقاء إلى زمن مقدر في علم الله؛ وهو الأجل الذي تنتهي فيه أعماركم، وتقوم فيه القيامة ﴿وَ﴾: لكم فيها أيضا ﴿مَتاعٌ﴾؛ أي: ما تستمتعون وتنتفعون به من المطاعم والمشارب والملابس وغيرها ﴿إِلى حِينٍ﴾؛ أي: إلى حين انقضاء آجالكم، ونحو الآية قوله: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ﴾.
ومعنى الآية (٢): أن الله سبحانه وتعالى أخبر آدم وحواء وإبليس والحية أنه إذا أهبطهم إلى الأرض، فإن بعضهم لبعض عدو، وأن لهم في الأرض موضع قرار يستقرون فيه إلى انقضاء آجالهم، ثم يستقرون في قبورهم إلى انقطاع الدنيا. قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ﴾ يعني: إلى يوم القيامة،

(١) المراغي.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon