الفطرة، وليس فيه ما يخالف ما تدعو إليه الحاجة وحب الزينة من أقوى غرائز البشر الدافعة لهم إلى إظهار سنن الله في الخليقة.
وقرأ عثمان وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسلمي وعلي بن الحسين وابنه زيد وأبو رجاء وزر بن جيش وعاصم في رواية وأبو عمرو في رواية (١): ورياشا فقيل: هما مصدران بمعنى واحد، يقال: راشه الله يريشه ريشا ورياشا إذا أنعم عليه.
﴿وَلِباسُ التَّقْوى﴾ بالرفع مبتدأ خبره جملة قوله: ﴿ذلِكَ خَيْرٌ﴾؛ أي: اللباس الناشيء عن تقوى الله تعالى وخوفه، وهو العمل الصالح والإخلاص فيه ذلك خير؛ أي: هذا اللباس الأخير خير من اللباسين الأولين؛ لأن الإنسان يكسى من عمله يوم القيامة، وإنما كان خيرا لأنه يستر من فضائح الآخرة. وفي (٢) الحديث: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، فإذا كان كذلك فينبغي للإنسان أن يشتغل بتحسين ظاهره بالأعمال الصالحة، وباطنه بالإخلاص، فإنه محل نظر لله تعالى، ولذلك قال بعضهم: إلهي زين ظاهري بامتثال ما أمرتني به ونهيتني عنه، وزين سري بالإسرار، وعن الأغيار فصنه. وقال المراغي: المشهور من كلام التابعين أن لباس التقوى لباس معنوي لا حسي. فقد قال ابن زيد: لباس هو التقوى خير، وعن ابن عباس أنه هو الإيمان والعمل الصالح، فإنهما خير من الريش واللباس، وروي عن زيد بن علي بن الحسين أنه لباس الحرب كالدرع والمغفر والآلات التي يتقى بها العدو، واختاره أبو مسلم الأصفهاني، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ﴾.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بنصب (٣) ﴿لباس﴾ عطفا على ﴿لِباسًا﴾؛ أي: وأنزلنا عليكم لباس التقوى، وهو الإيمان كما قاله قتادة والسدي وابن جريج، أو العمل الصالح كما قاله ابن عباس، أو السمت الحسن كما قاله
(٢) الصاوي.
(٣) المراح.