شرعه لعباده يعني: أنكم (١) ما سمعتم كلام الله مشافهة، ولا أخذتموه عن الأنبياء الذين هم وسائط بين الله وعباده في تبليغ أوامره ونواهيه؛ لأنكم تنكرون نبوة الأنبياء، فكيف تقولون على الله ما لا تعلمون.
والخلاصة (٢): أنهم في عملهم الفاحشة استندوا إلى أمرين: أمر الله تعالى بها، وتقليد الآباء والأجداد، وقد رد الله عليهم في كل منهما، فرد على الأول ببيان أن الله لا يأمر بفاحشة، وأن الذي يأمر بها إنما هو الشيطان، ورد على الثاني بأن التشريع لا يعلم إلا بوحي من عنده إلى رسول يؤيده بالآيات البينات، وهو لم ينزل عليهم بفعل الفاحشة، فقولهم هذا إنما هو اتباع للأهواء فيما هو قبيح تنفر منه الطباع السليمة، وتستنقصه العقول الراجحة الحكيمة.
واعلم: أن في هذه الآية الشريفة لأعظم (٣) زاجر وأبلغ واعظ للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق، فإنهم القائلون: إنا وجدنا آباؤنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون، والقائلون: وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها، والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب مع اعتقاده بأنه الذي أمر الله به، وأنه الحق لم يبق عليه، وهذه الخصلة هي التي بقي بها اليهودي على اليهودية، والنصراني على النصرانية، والمبتدع على بدعته، فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية أو النصرانية أو البدعية، وأحسنوا الظن بهم بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به، ولم ينظروا لأنفسهم، ولا طلبوا الحق كما يجب، ولا بحثوا عن دين الله كما ينبغي، وهذا هو التقليد البحت والقصور الخالص، فيا من نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية إنا لك النذير المبالغ في التحذير من أن تقول هذه المقالة، وتستمر على الضلالة، فقد اختلط الشر بالخير، والصحيح بالسقيم، وفاسد الرأي بصحيح الرواية، ولم يبعث الله إلى هذه الأمة إلا نبيا واحدا أمرهم باتباعه، ونهى عن مخالفته، فقال: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.