نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ولو كان محض رأي أئمة المذاهب واتباعهم حجة على العباد.. لكان لهذه الأمة رسل كثيرة متعددون بعدد أهل الرأي المكلفين للناس بما لم يكلفهم الله به، وإن من أعجب الغفلة، وأعظم الذهول عن الحق اختيار المقلدة لآراء الرجال مع وجود كتاب الله، ووجود سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووجود من يأخذونهما عنه، ووجود آلة الفهم لديهم، وملكة العقل عندهم.
٢٩ - وبعد أن أنكر عليهم أن يكونوا على علم بأمر الله فيما فعلوا.. بين ما يأمر به من محاسن الأعمال، ومكارم الأخلاق بقوله لرسوله: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد: ﴿إنما أَمَرَ﴾ ني ﴿رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾؛ أي: بالاستقامة، والعدل في الأمور كلها، فأطيعوه، وقوله: ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ معطوف على المحذوف المقدر، أو على معنى ﴿بِالْقِسْطِ﴾ قال لهم: أمرني ربي بالقسط، فأقسطوا في الأمور كلها، وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد؛ أي (١): وجهوا وجوهكم في الصلاة إلى القبلة في أي مسجد كنتم فيه، أو في كل وقت سجود، أو في كل مكان سجود على أن المراد بالسجود الصلاة، أو المعنى (٢) أعطوا توجهكم إلى الله تعالى حقه من صحة النية، وحضور القلب، وصرف الشواغل عند كل مسجد تعبدونه فيه سواء كانت العبادة طوافا، أو صلاة، أو ذكرا ﴿وَادْعُوهُ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: واعبدوه وحده حالة كونكم ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ والعبادة، ولا تتوجهوا إلى غيره من عباده المكرمين زعما منكم أنهم يشفعون لكم عند ربكم، ويقربونكم إليه زلفى، وقد جعلتم هذا من الدين افتراء على الله، وقولا عليه بغير علم.
٣٠ - وبعد أن أبان أصل الدين ومناط الأمر والنهي فيه.. ذكرنا بالبعث والجزاء على الأعمال، فقال: ﴿كَما بَدَأَكُمْ﴾ وأنشأكم ربكم خلقا وتكوينا بقدرته ﴿تَعُودُونَ﴾ إليه سبحانه وتعالى بالبعث يوم القيامة، وأنتم فريقان سعداء وأشقياء ﴿فَرِيقًا﴾ منكم ﴿هَدى﴾ هـ الله سبحانه وتعالى في الدنيا ببعثة الرسل، فاهتدى بهديهم، وأقام

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon