قوله تعالى: ﴿وكانوا من قبل﴾ أي من قبل أن يجيئهم ﴿يستفتحون﴾ أي يستنصرون، ويقولون سيكون لنا الفتح، والنصر ﴿على الذين كفروا﴾ أي من المشركين الذين هم الأوس، والخزرج؛ لأنهم كانوا على الكفر، ولم يكونوا من أهل الكتاب. كما هو معروف؛ فكانوا يقولون: إنه سيبعث نبي، وسنتبعه، وسننتصر عليكم؛ لكن لما جاءهم الشيء الذي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم كفروا به؛ ﴿فلعنة الله﴾ : اللعنة: هي الطرد، والإبعاد عن رحمة الله؛ ﴿على الكافرين﴾ أي حاقة عليهم؛ وهو مظهر في موضع الإضمار؛ إذ كان مقتضى السياق: "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله عليهم"؛ والإظهار في موضع الإضمار له فوائد؛ منها: مراعاة الفواصل كما هنا؛ ومنها الحكم على موضع الضمير بما يقتضيه هذا الوصف؛ ومنها الإشعار بالتعليل؛ ومنها إرادة التعميم..
. ﴿٩٠﴾ قوله تعالى: ﴿بئسما اشتروا به أنفسهم﴾ :"بئس" فعل ماضٍ لإنشاء الذم؛ يقابلها "نِعْم": فهي فعل ماضٍ لإنشاء المدح؛ و"بئس"، و"نعْم" اسمان جامدان لا يتصرفان. أي لا يتحولان عن صيغة الماضي؛ و "ما" اسم موصول بمعنى الذي. أي بئس الذي اشتروا به أنفسهم؛ أو إنها نكرة موصوفة، والتقدير: "بئس شيئاً اشتروا به أنفسهم"، و ﴿اشتروا﴾ فسرها أكثرهم بمعنى باعوا؛ وهو خلاف المشهور؛ لأن معنى "اشترى الشيء": اختاره؛ والمختار للشيء لا يكون بائعاً له؛ والصحيح أنها على بابها؛ ووجهه أن هؤلاء الذين اختاروا الكفر كانوا راغبين فيه، فكانوا مشترين له..
قوله تعالى: ﴿أن يكفروا﴾ :﴿أن﴾ هنا مصدرية؛ والفعل