﴿يخادعون الله﴾ يريد يخادعون رسوله. وقد جعل مخادعة رسوله كمخادعته، وهو ممن لا يجوز عليه الخداع تنبيهًا على عظم من خادعوه. كما جعل مبايعته في قوله: ﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون﴾ [الفتح: ١٠]. وفي هذا تنبيه على أمرين: أحدهما الدلالة على فظاعة فعلهم، والثاني عظم قدر رسوله والمؤمنين. وقول أهل العربية إنه على حذف مضافٍ بالنسبة ظاهر في صرف الخداع عن الله، ولكن لو صرح بالمضاف لأتت الدلالة على الأمرين المذكورين. وقد قيل إنه لا حذف البتة. وإن القوم لجهلهم يزعمون أن الله ممن يصح خداعه تعالى الله عن ذلك.
وقوله: ﴿وما يخادعون إلا أنفسهم﴾ [البقرة: ٩] أي ما يرجع وبال خداعهم إلا عليهم لا يتعداهم، ﴿إنما بغيكم على أنفسكم﴾ [يونس: ٢٣]، ﴿ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله﴾ [فاطر: ٤٣].
وقرئ: "وما يخدعون" ولم يقرأ الأول في السبع إلا "يخدعون" كما بينا وجه ذلك فير غير هذا. وقيل: إن هذا من باب المقابلة، أي وهو يعاملهم بعقابه معاملة الخادع. وقولهم: "أخدع من ضب" أي أمكر، وذلك أن الضب يتخذ عقربًا على باب حجره تلدغ من يدخل يده حتى قالوا: إن العقرب بواب الضب وحاجبه، فقالوا ذلك لاعتقاد الخديعة فيه. وخدع الضب أي استتر في حجره. وطريق خادع وخدع كأنهم تصوروا خداعه لسالكه لما تاه فيه.
والمخدع: بيت في بيت؛ تصوروا أن بانيه جعله لمن رام تناول ما فيه. وخدع الريق: قل، تصوروا منه الخديعة، والأخدعان: تصور منهما الخداع لظهورهما تارة وخفائهما أخرى. وخدعته: قطعت أخدعه. وفي الحديث: "بين يدي الساعة سنون