وصابروا} [آل عمران ٢٠٠] أي احبسوا أنفسكم عن شهواتها. فالصبر: حبس النفس عن الشهوات وعلى امتثال المأمورات واجتناب المنهيات. وقيل: الصبر: الإمساك في ضيقٍ. صبرت الدابة: أمسكتها للعلف. فقال بعضهم: الصبر: حبس النفس عما يقتضيه العقل والشرع عما يقتضيان حبسها عنه. قال: فالصبر لفظ عام، وربما خولف بين أسمائه بسبب اختلاف مواقعه؛ فإن كان حبس النفس لمصيبةٍ سمي صبرًا لا غير، ويضاده: الجزع، وهو المراد بقوله تعالى: ﴿وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة﴾ [البقرة: ٥٤، ١٥٥] الآية، ﴿إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حسابٍ﴾ [الزمر: ١٠]. وإن كان في حربٍ سمي شجاعة، ويضاده: الجبن. وإن كان في نائبة مضجرةٍ سمي رحب الصدر، ويضاده: الضجر. وإن كان في إمساك كلامٍ سمي كتمانًا، ويضاده: المذل. وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبرًا. ونبه عليه بقوله: ﴿والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس﴾ [البقرة: ١٧٧] ﴿والصابرين على ما أصابهم﴾ [الحج: ٣٥].
قوله: ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾ [البقرة: ٤٥] هو الصبر المتعارف. وقيل: هو الصوم. ومن ثم سمي رمضان شهر الصوم، لأنه فيه حبس النفس عن الملاذ الدنيوية من أكلٍ وشربٍ وجماعٍ، ولا سيما الأبرار الذين قال فيهم عليه الصلاة والسلام: "إنه يسلم من السب والغيبة حتى لم شتم أحدهم لا يرد بل يقول: إني امرؤ صائم" وقال عليه الصلاة والسلام: "صيام شهر الصبر وثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ يذهب وحر الصدر".
قوله تعالى: ﴿فما أصبرهم على النار﴾ [البقرة: ١٧٥] أي ما أجرأهم على تعاطي أسباب دخول النار من المعاصي. قيل: هي لغة. يقال: هو أصبر على كذا منك. وما أصبره عليك! أي أجرأه. واحتج أبو عبيدٍ على كونه لغة في الجرأة بقول بعض العرب لخصمه: ما أصبرك على الله! أي ما أجرأك على اليمين! قال بعضهم: هذا تصور مجازٍ بصورة حقيقيةٍ، لأن ذلك معناه: ما أصبرك على إعداء الله! إذ اجترأت على ارتكاب ذلك. وإلى هذا يعود قول من قال: ما أبقاهم على النار! وقول من قال: ما أعملهم بعمل