أهل النار! وذلك أنه قد يوصف بالصبر من لا صبر له في الحقيقة اعتبارًا بحال الناظر إليه، أي من رآهم يقول: وإن لم يكونوا متصفين بالصبر، هذا صفة تعجبٍ فكيف ترد من الباري تعالى؟ فأجيب بأنه جاء باعتبار المخاطبين. ولنا فيه كلام أوسع من هذا.
قوله تعالى: ﴿اصبروا وصابروا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] أي احبسوا أنفسكم على العبادة، وجاهدوا أهواءكم. قوله: ﴿واطبر لعبادته﴾ [مريم: ٦٥] أي تحمل الصبر بجهدك. قوله: ﴿يجزون الغرفة بما صبروا﴾ [الفرقان: ٧٥] أي بما تحملوه من الصبر في الوصول إلى مرضاته تعالى.
قوله عز وجل: ﴿فصبر جميل﴾ [يوسف: ١٨] أي امر صبرٍ. والأصل النصب علي المصدر ونيابة عن الفعل، إلا أن الرفع أبلغ لما قررناه في: ﴿قالوا سلامًا قال سلام﴾ [هود: ٦٩]. ولذلك أتى الشاعر بهذا الأصل على النصب في قوله: [من الرجز]

٨٥٨ - يشكو إلي جملي طول السرى صبرًا جميلاً فكلانا مبتلى
ومعنى الآية: الحث على الصبر. والصبور: القادر على الصبر الذي له فيه ملكة. والصابر يقال إذا كان فيه ضرب من التكلف والمجاهدة؛ قاله الراغب وفيه نظر من حيث إن فعولاً وفعالاً مبالغة. وفعل لا يدل على التكلف، بل يدل عليه تفعل، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿إن في ذلك لآياتٍ لكل صبارٍ شكورٍ﴾ [إبراهيم: ٥].
وقد يعبر عن الانتظار بالصبر لما كان حق الانتظار لا ينفك عن الصبر، بل هو نوع من الصبر؛ وعليه قوله تعالى: ﴿فاصبر لحكم ربك﴾ [الطور: ٤٨] أي انتظر حكمه لك على الكفار الذين عاندوك. وقال المبرد: الصبر ثلاثة أنواعٍ: حبس، وإكراه، وجرأة. وحكي من كلامهم: أصبره الحاكم على اليمين، أي ألجأه إليها: وفي الحديث: "اقتلوا القاتل واصبروا الصابر"؛ وذلك أن رجلين قتلا رجلاً؛ أمسكه أحدهما وقتله الآخر، أي احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت كفعله به. كذا فسره الهروي. والحكم عندنا


الصفحة التالية
Icon