على خط مستوٍ كالناس والأشجار، والمعنى صفًا بعد صف، فلا يراد به واحدًا أبدًا. ولهذا كان قول من قال: إن "صفا" الثاني تأكيد لفظي ساقط كما بيناه في غير هذا. قوله: ﴿وعرضوا على ربك صفًا﴾ [الكهف: ٤٨] أي صفًا واحدًا، ولا يتوارى منهم واحد خلف آخر، كقوله: ﴿يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء﴾ [غافر: ١٦]. قوله تعالى: ﴿إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا﴾ [الصف: ٤] يحتمل أن يكون مصدرًا، وأن يكون بمعنى الصافين. وكذا قوله تعالى: ﴿ثم ائتوا صفًا﴾ [طه: ٦٤] أي صافين. ومعنى المصدرية أن يتناول الفعل قبله به كأنه قيل: يصطفون في القتال صفًا. وقيل: "ثم ائتوا صفًا" أي الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم. قال الأزهري: يقال: أتيت الصف. أي أتيت الصلاة. قال: ويجوز أن يكون: ثم ائتوا مصطفين، ليكون أنظم لكم وأشد لكم وأشد لهيبتكم.
قلت: لو أراد موضع الصلاة لقال للصف لأنه مكان معين. قوله: ﴿يوم يقوم الروح والملائكة صفًا﴾ [النبأ: ٣٨] قيل: الروح بعينه يقف وحده، وتقف الملائكة كلهم أمامه فيساويهم ويسامتهم لعظم خلقه. وقيل: الروح جبريل نص عليه لشرفه. قوله تعالى: ﴿والصافات صفًا﴾ [الصافات: ١] قيل: هم الملائكة، وهذا هو الظاهر لقوله تعالى حكاية عنهم: ﴿وإنا لنحن الصافون﴾ [الصافات: ١٦٥] وذلك لاصطفافهم في عبادة الله من ركوعٍ وسجودٍ وتسبيحٍ وتقديسٍ. وقيل: هم المقاتلة في سبيله صفًا. وقيل: هم المصلون من المسلمين. وقيل: هي الطير لصف أجنحتها. قال تعالى: ﴿أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافاتٍ ويقبض﴾ [الملك: ١٩] أي وقابضاتٍ.
قوله: ﴿فاذكروا اسم الله عليها صواف﴾ [الحج: ٣٦] أي مصطفةً، يعني بدن الهدي والضحية لأنه أعظم في القربة، وذلك أن تعقل وتصف فتنحر. كان ابن عمر يفعل ذلك، ومن ثم قرئ ﴿صوافن﴾ أي قائمة على ثلاثٍ، وسيأتي. وقرئ ﴿صوافي﴾ أي خاصةً لله لا كما كان المشركون يفعلون. والجمع صفوف. وفي