العباد - أصعب الثلاثة من وجهٍ وهو الافتقار إلى الخروج من مظلمة ذلك الإنسان؛ إما برد ما غصبه وإما بإعلامه بما اغتابه وثلبه. وفي هذا من الصعوبة كما هو معروف عند كل أحدٍ بخلاف النوعين الآخرين؛ فإنهما لمجرد الندم والإقلاع والعزم على عدم العود يحصل الغرض وينتفى الظلم.
قوله:} الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ﴿[الأنعام: ٨٢] أي بشركٍ لأنه هو الظلم المؤثر في الإيمان. ولما سمعها الصحابة تبادر فهمهم إلى مطلق الظلم فضجوا فقال عليه الصلاة والسلام: "ذلكم الشرك" وتلا قوله تعالى:﴾ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ﴿[لقمان: ١٣] فسكتوا. قوله:﴾ ولم تظلم منه شيئًا ﴿[الكهف: ٣٣] أي لم تنقص. قوله تعالى:﴾ وما ربك بظلام للعبيد ﴿[فصلت: ٤٦]. قال بعضهم: لا يلزم من نفيه الأخص نفي الأعم، والله تعالى منتفٍ عنه الظلم على العموم. وظلام صيغة مبالغةٍ، ومثاله إذا قلت: ليس زيد بظالم، معناه أنه لم يلبتس بشيءٍ من الظلم قليله وكثيره. وإذا قلت: ليس بظلامٍ فإنما نفيت كثرة الظلم. ولا يلزم منه مطلق الظلم، والجواب عنه أن ظلامًا هنا ليس مثال مبالغةٍ وإنما معناه النسب، أي ليس بذي ظلمٍ كقولهم: لبان ونبال، أي صاحب لبنٍ ونبل. وقيل: إنما أتى به على صيغة المبالغة بالنسبة إلى ذكر ما بعده من الجمع. فلما تكرر المتعلق وتعدد حسن أن يتكرر الفعل الذي نفي عنه تعلقه، والأول أحسن.
قوله:﴾ إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ﴿[النجم: ٥٢] تنبيه أن الظلم لا يغني شيئًا؛ فإن قوم نوحٍ مع كونهم كانوا اظلم من هؤلاء لم يغن عنهم ظلمهم شيئًا بل كان وبالاً عليهم. قوله تعالى:﴾ وما الله يريد ظلمًا للعباد ﴿[غافر: ٣١] أي لا يريد أن يظلمهمٍ. وأما ظلمهم لبعضهم بعضًا فهو واقع وليس المراد نفي إرادته. وقد مضى هذا مستوفى. وقال في موضع آخر:﴾ وما أنا بظلامٍ للعبيد ﴿[ق: ٢٩] فنفى الظلم عن ذاته المقدسة من غير تعرضٍ للإرادة، لأن المقام هنا يقتضي نفي ذلك. قيل: والظلم يرد أيضًا بمعنى العدول ومنه:﴾ فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا {[النمل: ٥٢] أي بعدولهم عن الحق. ولا شك أن ذلك لازم للظلم، بأي تفسير فسر. ويرد أيضًا بمعنى النقصان كقوله