قوله: ﴿الذين يظهرون {و﴾ يظاهرون ﴿[المجادلة: ٢] أي يشبهون [ظهور] أزواجهم بظهر أمهاتهم، فيقولون: "أنت علي كظهر أمي" وكان طلاقًا في الجاهلية فغير الشارع حكمه، ثم اتسع الفقهاء فيه فقالوا: أن يشبه زوجته بعضوٍ من أعضاء محارمه الإناث بتفصيل مذكور في كتب الفقه. وقد سماه الله تعالى:﴾ منكرًا من القول وزورًا ﴿[المجادلة: ٢] وأوجب به الكفارة العظمة التي نص عليها.
والظهور: ضد الخفاء؛ قال تعالى:﴾
وظهر أمر الله ﴿[التوبة: ٤٨] أي بدا ما وعد الله به رسوله والمؤمنين من النصر، وفشا دين الإسلام. وأصل ذلك من حصول الشيء على وجه الأرض، وضده بطن أي حصل في بطنان الأرض فخفي، ثم صار مستعملاً في كل بارزٍ للبصر والبصيرة. وقوله تعالى:﴾ يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا ﴿[الروم: ٧] أي يعلمون الأمور الدنيوية دون الأخروية. ثم إنهم لا يعلمون من تلك الأمور إلا ظاهرها دون باطنها. لو علموا ذلك لاتضح لهم الحق وبان ضده. وقولهم: علم الظاهر وعلم الباطن، يشيرون بهما إلى المعارف الجلية والمعارف الخفية وقد يشيرون بهما إلى العلوم الدنيوية والأخروية. قوله:﴾ ظهر الفساد في البر والبحر ﴿[الروم: ٤١] أي بدا وفشا، أي ولم يتكتمه لكثرة مخالطتهم إياه. وقيل: ظهوره في البر أن قتل قابيل هابيل، وفي البحر أن غصب الجلندي سفينة المساكين، وهذا مثال من الأمثلة.
قوله:﴾
وأسبغ عليكم نعمه ظاهرًة وباطنًة ﴿[لقمان: ٢٠] قيل: عنى بالظاهرة ما تقفون عليها من صحة الأبدان وإدامة الأبصار وتقوية البطش والسعي وإدرار الأرزاق السماوية والأرضية، والباطنة ما لا يوقف عليها، وكم في الإنسان من نعمةٍ لا يعرفها، بل ولا تخطر بباله. قوله:﴾ فما استطاعوا أن يظهروه {[الكهف: ٩٧] أي يعلوه؛ يعني السد؛ يقال: ظهر عليه وظهره أي علاه، كأنه ركب ظهره. قال النابغة الجعدي:


الصفحة التالية
Icon