الفتنة في الشدة كالابتلاء. قال الراغب: وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وهما أظهر معنى وأكثر استعمالًا، وقد قال تعالى:} ونبلوكم بالشر والخير فتنة ﴿] الأنبياء: ٣٥ [، وقوله:﴾ على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم ﴿] يونس: ٨٣ [أي يبتليهم ويعذبهم.
قوله تعالى:﴾ ولكنكم فتنتم أنفسكم ﴿] الحديد: ١٤ [أي أوقعتموها في الفتنة والعذاب. قوله﴾ أنما أموالكم وأولادكم فتنة ﴿] الأنفال: ٢٨ [سماهم فتنة اعتباراً بما ينال الإنسان من الاختبار بهم، وذلك لأنهم يحملونه على الاكتساب من كل وجه والاقتحام في كل هلكه، كما سماهم عدوًا في قوله:﴾ إن من أزواجكم وأولادكم عدًوا لكم ﴿] التغابن: ١٤ [باعتبار ما يتولد منهم، وقد سماهم زينة في مواضع اعتباراً بعادة الناس في تكاثرهم بالأولاد.
قوله:﴾ أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ﴿] العنكبوت: ٢ [أي يختبرون، فيتميز خبيثهم من طيبهم وطائعهم من عاصيهم. وفي وزنه: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا {] البقرة: ٢١٣ [. وقوله تعالى:﴾ أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ﴿] التوبة: ١٢٦ [أي يبتلون ويختبرون فينظر من يثبت على دينه في الصحة والمرض والسراء والضراء، ولا يكونوا كما قال فيهم:﴾ ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير أطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه ﴿] الحج: ١١ [وقيل: هو إشارة إلى قوله تعالى:﴾ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ﴿] البقرة: ١٥٥ [، ولذلك عقبه بقوله:﴾ وبشر الصابرين {أي الحابسين أنفسهم على دينهم مع ما يصيبهم من هذه البلايا. ولم يقتصر على وصفهم بالصبر حتى حكي عن قولهم ما حكي في هذا المقام المدحض الذي تذهب فيه العقول وتطيش الحلوم، لاسيما عند من فسر الثمرات بثمرات الفؤاد وهي الأولاد كما أوضحنا في غير هذا الكتاب.