النفي، والمعنى أن الإيمان بكل الرسل واجب، وكذلك بجميع الكتب السماوية وبجميع الملائكة، فلو آمن واحد ببعض أولئك فإيمانه كلا إيمان، وحينئذ يكون المؤمن بالبعض قد فرق بين رسول ورسول وكتاب وكتاب، مع أن كلًا منهم يدلي بما يدلي الآخر. فما معنى التفرقة بينهم في ذلك؟
قوله تعالى:} إن الذين فرقوا دينهم ﴿] الأنعام: ١٥٩ [أي جعلوا دينهم مختلفًا، فخلطوا حقه بباطله، بأن آمنوا ببعض الرسل وبعض الكتب، وكفروا ببعض، فهو في معنى الآية قبلها. وقرئ﴾ فارقوا ﴿أي تركوا. ويطابق الأولى قوله بعده﴾ وكانوا شيعًا ﴿أي فرقًا مختلفة.
قوله تعالى:﴾ إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا ﴿] الأنفال: ٢٩ [أي نورًا وتوفيقًا في قلوبكم يفرق بين الحق والباطل، فكأن الفرقان ههنا كالسكينة والروح في غيره. وقال الفراء: أي فتحًا ونصرًا ونجاة.
يقال للصبح فرقان لفرقة بين النور والظلمة، ولأنه يفرق به بين الأشياء، ومنه قولهم: قد طلع الفرقان.
والفرقان: كلام الله تعالى في سائر كتبه المنزلة لأنه يفرق بين الحق والباطل في الاعتقاد، والكذب والصدق في المقال، والصالح والطالح في الأعمال. وهذا المعنى موجود في القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، ويدل على ذلك قوله تعالى:﴾ ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء ﴿] الأنبيا: ٤٨ [. قوله تعالى:﴾ وظن أنه الفراق ﴿] القيامة: ٢٨ [أي تيقن أو ترجح عنده أنه زمن مفارقته الدنيا، وأنه ميت لا محالة، يعني بذلك المحتضر بدليل تقدم قوله تعالى:﴾ كلا إذا بلغت التراقي ﴿. وتأخر قوله:﴾ والتفت الساق بالساق {الآية. والفراق والمفارقة يكونان بالأبدان وبغيرها ولكن بالأبدان أكثر؛ فيقال: فارقت روحه جسده.
والفرق: شدة الفزع لأنه يفرق القلب ويشعبه لما يحصل فيه من الخوف،