والتقدير: التضييق، ومنه قوله تعالى: ﴿وقدر في السرد﴾ [سبأ: ١١]. وعن ابن عباس أن معاوية أرسل خلفي فقال: ضربتني أمواج القرآن قال فيماذا؟ قال: في قوله: ﴿فظن أن لن نقدر عليه﴾، أيظن عبد من عبيد الله أن الله لا يقدر عليه، فضلًا عن نبي من الأنبياء؟ فقال له: ليس ذلك من القدرة، إنما هو من التقدير بمعنى التضييق، وتلا قوله تعالى: ﴿فقدر عليه رزقه﴾ [الفجر: ١٦] قال الهروي: يعني قدرنا عليه من كونه في بطن الحوت.
يقال: قدر وقدر بمعنى واحد، وليس من القدرة في شيء. وقال أبو الهيثم: فظن أن لن نقدر عليه العقوبة. قال: ويحتمل أن يكون تفسيره أن لن نضيق عليه.
قوله تعالى: ﴿والله على كل شيء قدير﴾ [البقرة: ٢٨٤] وهذا عام خصصه العقل كما حققناه في غير هذا الموضع. ثم القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فعل شيء ما. وأا إذا وصف بها الباري تعالى فنفي العجز عنه. ومحال أن يوصف غير الله تعالى بالقدرة المطلقة معنى، وإن أطلق عليه لفظًا، بل حقه أن يقال: هو قادر على كذا. ومتى قيل: هو قادر فعلى سبيل معنى التقييد، ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من وجه، إلا ويصح أن يوصف بالعجز من وجه آخر، والباري تعالى هو الذي ينتفي عنه العجز من كل وجه، جل وعز.
والقادر يوصف به الإنسان حسبما تقدم، والقدير لا يوصف به إلا الله تعالى، وذلك لما فيه من المبالغة؛ قال الراغب: والقدير هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة لا زائدًا عليه ولا ناقصًا عنه، ولذلك لا يصح أن يوصف به غير الله تعالى. والمقتدر يقاربه لكن قد يوصف به البشر، وإذا استعمل في الله فمعناه معنى القدير، وإذا استعمل في البشر فمعناه المتكلف المكتسب للقدرة. يقال: قدرت على كذا أقدره قدرًا وقدرة ومقدرة وقدرانًا. يقال: اقدر بذرعك، أي أقدر على الأمور