محمد ﷺ وصار له كالعلم، كما أن التوراة لما أنزل على موسى، والإنجيل لما أزل على عيسى. وقال بعض العلماء: ليست تسمية هذا الكتاب قرآنًا من بين سائر كتب الله المنزلة لكونه جامعًا لثمرة كتبه، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم كما أشار بقوله: ﴿وتفصيل كل شيء﴾ [يوسف: ١١١] ﴿تبيانًا لكل شيء﴾ [النحل: ٨٩]
قوله: ﴿وقرآن الفجر﴾ [الإسراء: ٧٨] قيل: أراد صلاة الصبح وعبر عنها به لاشتمالها عليه، كما سميت تسبيحًا وركوعًا وسجودًا لاشتمالها عليها.
قوله: ﴿ثلاثة قروء﴾ [البقرة: ٢٢٨] القروء جمع قرء بضم القاف وفتحها. وقيل: القروء جمع للمفتوح والأقراء جمع للمضموم، وهل هما بمعنى واحد؟ والمضموم نفس الدم أو الطهر والمفتوح نفس المصدر؟ وهل إطلاقه على الطهر والحيض بطريق الحقيقة فيكون مشتركًا؟ أو بطريق الحقيقة والمجاز؟ أقوال كثيرة منتشرة ذكرناها وذكرنا دلائلها والاعتراضات عليها والأجوبة عنها في كتابنا المسمى بـ ((القول الوجيز في أحكام الكتاب الغزيز)) ولله الحمد. ولنذكر هنا نبذة من ذلك؛ فقال أهل المدينة: هي الأطهار، وبه قال الشافعي: واستدلوا على ذلك بقول الشاعر، وهو الأعشى: [من الطويل]

١٢٤٦ - مورثة عزًا وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا
وقال الكوفيون، وهو قول أبي حنيفة: إنها الحيض، واستدلوا على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: ((دعي الصلاة أيام أقرائك)) أي حيضك، ويحكى أن الشافعي تناظر هو أبو عبيدة في ذلك، وكان الشافعي يرى أنها الحيض وأبو عبيدة يعكسه، فانفصلا وكل منهما مدع عكس ما كان عليه لكثرة ما أورد صاحبه عليه من الأدلة. وزاد أصحابنا الشافعية على ذلك فقالوا: لابد أن يكون القرء طهرًا محبوسًا دمين؛ فالمبتدئة لا قرء لها إلا بعد أن ترى الدم. وقيل: الأصل في القرء الوقت فقيل في الحيض قرء وفي الطهر قرء لأنهما يرجعان لوقت معلوم. ويقال: هبت الرياح لقرئها: أي لوقتها. قال مالك بن الحويرث الهذلي: [من الوافر]


الصفحة التالية
Icon