قوله: ﴿والذي تولى كبره منهم﴾ [النور: ١١] إشارةً إلى من تولى حديث الإفك، ونبه بذلك على أن كل من سن سنةً قبيحة يقتدي بها غيره فذنبه أعظم وعقوبته أشد. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" وفي عكسه كذلك والكبر والتكبر والاستكبار تتقارب معنى، لكن الكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره. وأعظم الكبر والتكبر: ما وقع في جانب أوامر الله ونواهيه، وذلك أن يتكبر على أداء طاعاته والانزجار عن معاصيه.
والاستكبار يقال باعتبارين: أحدهما تحري الإنسان وطلبه أن يكون كبيرًا وهذا إذا كان على ما يجب وفي المكان الذي يجب وفي الزمان الذي يجب محمود غير مذمومٍ. والثاني أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له أو يرى نفسه أكبر من غيره بما أنعم الله عليه من مال أو جاهٍ. ولذلك قال تعالى: ﴿نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا﴾ [القصص: ٨٣]، فجعل إرادة ذلك علةً مستقلةً بدليل إعادة "لا" فيما عطف. وجميع ما ورد في القرآن العظيم من الاستكبار من هذا النوع كقوله تعالى: ﴿واستكبروا استكبارًا﴾ [نوح: ٧] أي واستكبر، ﴿فيقول الضعفاء للذين استكبروا﴾ [غافر: ٤٧] قابل المستكبرين بالضعفاء منبهةً على أن استكبارهم عليهم كان بما لهم من القوة في البدن والمال. وقوله: ﴿فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين﴾ [الأعراف: ١٣٣] فنبه بقوله: ﴿فاستكبروا﴾ على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وبقوله: ﴿وكانوا قومًا مجرمين﴾ أن الحامل لهم على ذلك ما تقدم من جرمهم، وأن ذلك ليس شيئًا حادثًا منهم بل كان ديدنهم وهجيراهم. والتكبر -أيضًا- يقال على وجهين.
أحدهما أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدةً على محاسن غيرها، وبهذا وصف الله تعالى نفسه فقال: ﴿العزيز الجبار المتكبر﴾ [الحشر: ٢٣] وما أبلغ


الصفحة التالية
Icon