الإثبات والتقدير والفرض. قال بعضهم: وجه ذلك أن الشيء يراد ثم يقال ثم يكتب؛ فالإرادة مبدأ الكتابة منتهى. ثم يعبر عن المراد الذي هو المبدأ إذا أريد توكيده بالكتابة التي هي المنتهى، كقوله: ﴿كتب الله لأغلبن أنا ورسلي﴾ [المجادلة: ٢١] أي حكم وقضى بذلك وأثبته في اللوح المحفوظ.
قوله: ﴿وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله﴾ [الأنفال: ٧٥] أي في حكمه.
قوله: ﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس﴾ [المائدة: ٤٥] أي فرضنا وأوجبنا. قوله: ﴿ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء﴾ [الحشر: ٣] أي لولا أن أوجب عليهم الجلاء من ديارهم قوله: ﴿أولئك كتب في قلوبهم الإيمان﴾ [المجادلة: ٢٢] إشارة إلى أنه بخلاف صفة من قال في حقهم: ﴿ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا﴾ [الكهف: ٢٨] قيل: لأن معنى "أغفلنا" من قولهم: أغفلت الكتاب: إذا جعلته خاليًا من الكتابة والإعجام.
وقد يعبر بالكتابة عن القضاء الممضى وما يصير في حكمه، وعليه حمل قوله تعالى: ﴿وبلى ورسلنا لديهم يكتبون﴾ [الزخرف: ٨٠] قيل: ذلك مثل قوله: ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت﴾ [الرعد: ٣٩] قوله: ﴿فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون﴾ [الأنبياء: ٩٤] أي مثبتون غير مضيعين لعمله، كقوله: ﴿أني لا أضيع عمل عاملٍ منكم﴾ [آل عمران: ١٩٥] وقوله: ﴿إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً﴾ [الكهف: ٣٠]. قوله: ﴿ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين﴾ [المائدة: ٨٣] أي أثبتنا معهم وأدخلنا في زمرتهم، وكأنه إشارة إلى قوله في موضعٍ آخر: ﴿فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم﴾ [النساء: ٦٩]. قوله: ﴿ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها﴾ [الكهف: ٤٩] إشارة إلى ما أثبت فيه أعمال بني آدم. وهي صحيفة كل إنسان، وما كتب له من خيرٍ أو شر، جليلٍ أو حقيرٍ، وقيل: الإشارة إلى صغائر الذنوب وكبائرها.


الصفحة التالية
Icon