وأصل الكرم سماحة النفس ببذل المال. وقيل: حسن الخلق. ثم الكرم إذا وصف به الباري تعالى فهو اسمٌ لأحسانه وأنعامه المتظاهرة. وإذا وصف به البشر فهو اسمٌ للأخلاق الحميدة والأفعال الجميلة الظاهرة؛ فلا يقال: كريمٌ إلا إذا اشتهر بذلك وظهر منه ظهور متعارف. قال بعض أهل العلم: الكرم كالحرية، إلا أن الحرية تقال في المحاسن القليلة والكثيرة. والكرم لا يقال إلا في الكثيرة، كما فعل عثمان رضي الله عنه في تجهيز جيش العسرة، وكمن يتحمل حمالة يحقن بها دم قومٍ.
قوله: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ [الحجرات: ١٣] إنما كان كذلك لأن الكرم -كما تقدم -الأفعال الحميدة، وأكثرها ما قصد به أشرف الوجوه، وأشرف الوجوه ما قصد به وجه الباري تعالى، ولا يفعل ذلك إلا الأتقياء. فمن ثم كان أكرم الناس عند ربهم أتقاهم له، وكل شرفٍ في بابه يوصف بالكرم، وعليه قوله: ﴿إنه لقرآنٌ كريمٌ﴾ [الواقعة: ٧٧]. وقيل: معناه جم الفوائد وكل ذلك مراد. وقوله: ﴿كم أنبتنا فيها من كل زوجٍ كريمٍ﴾ [الشعراء: ٧] ﴿بل عبادٌ مكرمون﴾ [الأنبياء: ٢٦] أي جعلهم كرامًا.
قوله: ﴿كرامً كاتبين﴾ [الانفطار: ١١] وصفهم بذلك لشرفهم في أبناء جنسهم. ونخلةٌ كريمةٌ أي طيبة الحمل أو كثيرته، وشاةٌ غزيرة اللبن.
قوله: ﴿وإذا مروا باللغو مروا كرامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] أي منزهين أنفسهم عن سماعه وعن قوله. وقيل: معرضين عنه قد أكرموا أنفسهم بعدم الدخول فيه، وقيل: غير مؤاخذين قائلين كقوله: ﴿وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا﴾ [الفرقان: ٦٣].
قوله: ﴿لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ﴾ [الأنفال: ٧٤] كرمه أن خلص من متعبات الدنيا في تحصيله، ومن الشبه المقترنة بالمكاسب والأرزاق، ومن الأسقام العارضة من تناوله


الصفحة التالية
Icon