في تغطية النعمة وجحودها.
والكفور مصدرٌ للكفر مستعملٌ في جحود الوحدانية وجحود النعمة معًا. والكفور المبالغ في الكفر قال تعالى: ﴿إن الإنسان لظلومٌ كفارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤]. واستشعر الراغب سؤالًا فقال: إن قيل كيف وصف الإنسان ههنا بالكفور ولم يرض بذلك حتى أدخل عليه إن واللام وكل ذلك تأكيدٌ؟ وقال في موضع آخر: ﴿وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان﴾ [الحجرات: ٧] قيل: ﴿إن الإنسان لكفورٌ﴾ [الحج: ٦٦] تنبيهٌ على ما ينطوي عليه الإنسان من كفران النعمة وقلة ما يقوم بأداء الشكر، وعلى هذا: ﴿قتل الإنسان ما أكفره﴾ [عبس: ١٧] وقوله: ﴿وقليلٌ من عبادي الكشور﴾ [سبأ: ١٣].
وجعل الراغب الكفار أبلغ من الكفور لقوله: ﴿كل كفارٍ عنيدٍ﴾ [ق: ٢٤]. وقد أجري الكفار مجرى الكفور في قوله: ﴿إن الإنسان لظلومٌ كفارٌ﴾. وفي ما قاله نظرٌ لأن فعالًا وفعولًا من جملة أمثلة المبالغة من غير تفاضل بين شيء منها. وصيغ المبالغة خمسٌ وزاد بعضهم سادسًا وهي: فعال وفعول ومفعال وفَعيل وفِعِّيل نحو: شريب العسل، ولكنه يوهم الأبلغية من وصفه بعنيدٍ وتوهم المساواة بينهما من انضمام ظلومٍ إلى كفارٍ. فلما جاور فعولٌ فعالًا كان بمعناه. ولقائلٍ أن يقول: ليس ما ادعاه بأولى من عكسه بأن يجعل فعول بمعنى فعال لمجاورته له.
والكفار في جمع الكافر المضاد للمؤمن أكثر استعمالًا، كقوله تعالى: ﴿أشداء على الكفار﴾ [الفتح: ٢٩]. والكفرة جمع كافر النعمة أكثر استعمالًا كقوله تعالى: ﴿أولئك هم الكفرة الفجرة﴾ [عبس: ٤٢] قال الراغب: ألا ترى أنه قد وصف الكفرة بالفجرة؟ والفجرة قد يقال للفساق من المسلمين وفي نظرٌ، إنما كان ينهض دليله لو كان الفجور مختصًا بغير الكفرة. ثم إن هؤلاء المذكورين كفارٌ يضادون المؤمنين ليس إلا لقوله قبل: ﴿وجوهٌ يومئذٍ مسفرةٌ﴾ [عبس: ٣٨] وعنى بهم المسلمين، ثم قابلهم بأولئك الذين وجوههم ﴿عليها غبرةٌ ترهقها قترةٌ﴾ [عبس: ٤٠ - ٤١].


الصفحة التالية
Icon