وقد حققنا هذا في ((الأحكام)).
قوله: ﴿وكنت نسيًا منسيًا﴾ [مريم: ٢٣] أي شيئًا تافهًا لا يؤبه له، مما حقه أن ينسى ويترك قلة مبالاة به. والنسي فعيل بمعنى مفعول كالنقض والنكث. وقوله: ﴿منسيًا﴾ مبالغة فيه؛ لم يكفها أن تتمنى أن تكون شيئًا تافهًا حتى بالغت فيه. يوصف بذلك لأن النسي يقال لما يقل الاعتداد به وإن لم ينس. وقرئ ((نسيًا)) بالفتح؛ وهو مصدر موضوع موضع المفعول. وكان العرب إذا ترحلت عن منزل تقول: احفظوا أنساءكم، أي ما حقه أن ينسى لقلة الاعتداد به كالوتد والشظاظ ونحوهما.
قوله: ﴿ما ننسخ من آية أو ننسها﴾ [البقرة: ١٠٦] قرئ بضم النون الأولى وسكون الثانية من غير همز، والمراد: نأمر بنسيانها أو ننسها للناس. وقد جرى هذا حين أصبح القوم، وقد أذهب الله من قلوبهم حفظ بعض القرآن، الذي أراد نسخه لفظًا، كما هو مشهور في التفسير والأحبار.
قال الراغب: فإنساؤها حذف ذكرها من القلوب بقوة إلهية. قال غيره: أي نأمركم بتركها. يقال: أنسيته الشيء: أمرته بتركه. قوله: ﴿وما كان ربك نسيًا﴾ [مريم: ٦٤] أي ناسيًا؛ فعيل بمعنى فاعل، أي لم ينسك من الوحي. وإنما أخره لمصلحة، والقصة ذكرناها في التفسير.
قوله: ﴿إن الإنسان لفي خسر﴾ [العصر: ٢] المراد به الجنس، ولذلك استثنى منه. والإنسان عند قوم مشتق من النسيان؛ قالوا: مأخوذ من قوله تعالى: ﴿ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي﴾ [طه: ١١٥] قال أبو منصور: هذا دليل على أن أصل إنسان إنسيان، ولذلك صغر فقيل أنيسيان. قلت: وأنشد القائل بذلك قول الشاعر: [من الكامل]


الصفحة التالية
Icon