﴿ويبقى وجه ربك﴾ أراد بالوجه هنا التوجه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة. وقيل لأبي عبد الله بن الرضا في قوله تعالى: ﴿كل شيءٍ هالك إلا وجهه﴾ إن الوجه زائد، والمعنى: كله شيءٍ هالك إلا هو. فقال: سبحان الله! لقد قالوا قولاً عظيمًا، إنما عني الوجه الذي يؤتي منه، ومعناه كل شيءٍ من أعمال العباد هالك وباطل إلا ما أريد به. وقيل هذا في قوله: ﴿وأقيموا وجوهكم عند كلٍ مسجدٍ﴾ [الأعراف: ٢٩] أي أخلصوا وجوهكم في الصلاة لله تعالى. فاراد بالإقامة تحري الاستقامة وبالوجه التوجه.
وقال الراغب: أراد به الجارحة واستعارها، كقولك: فعلت كذا بيدي. ولما كان الوجه أشرف ما في الإنسان، وأول ما يستقبل به ويستقبلك به غيرك، استعمل في مستقبل كل شيءٍ وفي أشرفه ومبدئه، فقيل: فلان وجه القوم، كقولك: رأسهم، وعينهم، ووجه النهار: صدره، كقوله: ﴿وجه النهار﴾ بدليل قوله: ﴿آخره﴾ وقال متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكًا: [من الكامل]
١٧٨٨ - من كان مسرورًا بمقتل مالكٍ | فليأت نسوتنا بوجه نهار |
قوله: ﴿فثم وجه الله﴾ [البقرة: ١١٥] أي متعبداته، وذلك أن ناسًا اجتهدوا في أمر القبلة في ليلٍ، ثم أصبحوا فوجدوا كل طائفةٍ صلت إلى جهةٍ فنزلت. قال ابن عرفة: اعلم أن الوجوه كلها له؛ فأينما وجه أمة محمد ﷺ بتعبدها فذلك الوجه له. وواجهت فلانًا: جعلت وجهك تلقاء وجهه.