فصل الميم والثاء
م ث ل:
قوله تعالى: ﴿إن الله لا يستحي أن يضرب مثلًا ما بعوضةً فما فوقها﴾ [البقرة: ٢٦] الآية. المثل هو القول السائر وفق الحال التي ضرب لها، ولابد فيه من غرابةٍ لما أنزل الله: ﴿لن يخلقوا ذبابًا﴾ [الحج: ٧٣] ﴿لبيت العنكبوت﴾ [العنكبوت: ٤١] قالت اليهود: إن الله أجل أن يتكلم بهذا فنزلت.
وقيل: المثل عبارةٌ عن قولٍ في شيء يشبه قولًا في شيءٍ آخر بينهما مشابهةً لتبيين أحدهما للآخر وتصوره، نحو قولهم: «الصيف ضيعت اللبن» فإن هذا القول يشبه قولك: أهملت وقت الإمكان أمرك، ولذلك قال تعالى: ﴿وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون» [العنكبوت: ٤٣] لأن لابد من تدبر المثل والممثل له ومطابقة ما بينهما.
قيل: والمثل يقال على وجهين: أحدهما بمعنى المثل، نحو شِبْهٍ وشَبَهٍ ونقْضٍ ونَقَضٍ. قال: بعضهم: وقد يعبر بها عن وصف الشيء نحو قوله تعالى: {مثل الجنة﴾ [الرعد: ٣٥] أي صفتها. والثاني عبارةٌ عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني أي معنىً كان، وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة وذلك أن الند يقال فيما يشاركه في الجوهرية فقط، والشكل فيما يشاركه في القدر والمساحة، والشبه يقال فيما يشاركه في الكيف فقط، والمثل عام في جميع ذلك. قال: ولهذا لما أراد الباري عز وجل نفي التشبيه عن ذاته المقدسةٍ من كل وجهٍ خصه بالذكر دون بقية الألفاظ المذكورة. فقال تعالى: ﴿ليس كمثله شيءٌ﴾ [الشورى: ١١] قيل: وجمع بين كاف التشبيه ولفظ المثل تنبيهًا على إرادة تأكيد النفي، وتنبيهًا على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف،