قال: ومنه حديث أنسٍ رضي الله تعالى عنه «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أرسل رسولًا إلى عظيم من المشركين يدعوه إلى الله تعالى، فقال المشرك: صف لي الإهك أمن فضة إم من ذهب أم من نحاس؟ فاستعظم ذلك، فرجع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فقال: ارجع فإذا صاعقةٌ قد أصابته» ونزل قوله تعالى: ﴿وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال﴾، أي الكيد والعقوبة. والمشهور أن ميمه أصليةٌ لاشتقاقه من المحل كما تقدم. وقال القتيبي: هو من الحيلة وميمه زائدةٌ. ورد عليه بأن ميمه أصليةٌ بدليل أن كل ما كان على زنة فعال كمهاد وملاكٍ ومراسٍ كانت ميمه أصلية. وكل ما كان على مفعل من ذوات الواو تفتح عينه نحو: محورٍ ومقول، وبيانه في غير هذا، إلا أنه قد قرأ الأعمش «المحال» بالفتح، وفسره ابن عباسٍ بأنها من الحول فهي مرشحةٌ لما قاله القتيبي.
وقال بعضهم: هو من قوله: محل به محلًا ومَحالًا ومِحالًا: إذا أراده بسوء. قال أبو زيد: محل الزمان: قحط، ومكانٌ ما حلٌ ومتماحلٌ، وأمحلت الأرض. والمحالة: فقارة الظهر والجمع المحال. ولبن ممحلٌ، أي فاسدٌ، وفي الحديث: «أن إبراهيم قال: أنا الذي كذبت ثلاث كذبات. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: وما منها كذبةٌ إلا وهو يماحل بها عن الإسلام» أي يجادل. قلت: تسميته -صلى الله عليه وسلم -ما ماحل به كذباتٌ على طريق المجاز، وإلا فهو مبرأ من الكذب المذموم -صلى الله عليه وسلم -. ولذلك لم يسكت نبينا -صلى الله عليه وسلم -بل فسر لأمته تلك الكذبات وبين وجهها.
وفي الحديث: «القرآن شافعٌ مشفعٌ وما حلٌ مصدقٌ» أي ساعٍ مصدقٌ من: محل به إذا سعى به، وقيل: معناه مجادلٌ مصدقٌ. ومنه الحديث أيضًا: «عهدهم لا ينقض عن شية ماحلٍ» أي ساع وواشٍ يسيء بهم. ومن كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: «إن من وراءكم فتنًا متماحلة» أي متطاولةً ممتدةً. والمتماحل من الرجال: الطويل، وقال بعضهم: معنى ﴿شديد المحال﴾ أي شديد الأخذ بالعقوبة. وكلها معانٍ متقاربةٌ بألفاظٍ متغايرةٌ.