فقال السائل: بل اقطعني ثم أجبني فقال له: (اعلم أن القرآن نزل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحضرة رجال وبين ظهراني قوم كانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمرا وعليه مطعنا فلو كان هذا عندهم مناقضة لتعلقوا به وأسرعوا بالرد عليه ولكن القوم علموا وجهلت فلم ينكروا فيه ما أنكرت ثم قال له: إن العرب قد تدخل (لا) في أثناء كلامها وتلغي معناها (١).
ونظائر هذا في القرآن كثيرة منها - أيضا -: قال تعالى: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكما تُكذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ ولا جَانٌّ (٣٩) [الرحمن: ٣٧ - ٣٩]، فأخبر هنا أنه: لا يسأل الإنس ولا الجن يوم القيامة عن أعمالهم، بينما في آيات أخرى أثبت أنه يسألهم من ذلك قوله تعالى: وأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ [الشعراء: ٩٠ - ٩٣]، ويَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) [القصص: ٦٢]، ويَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) [القصص: ٦٥]، وقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) [الصافات: ٢٤].
وحل الإشكال: أن السؤال المنفي هو سؤال الاستعلام والاستفهام عن الأمور المجهولة، فإنه لا حاجة إلي سؤالهم مع كمال علم الله تعالى وإحاطته بأعمالهم والسؤال المثبت هو سؤال تقريرهم بأعمالهم لتوبيخهم وإظهار أن الله حكم فيهم بعدله وحكمته (٢).
ومن هذا يتبين لنا أهمية قضية المشكل وكيف يتصيد هذه المواضع أعداء القرآن ليحرجوا الدعاة المساكين أمثالنا ممن لا يعرفون كيف يزال إشكال المشكل.
(٢) انظر: بحوث في أصول التفسير للصباغ ص ٢٦٨، والقواعد الحسان ص ٤٦ - ٤١.