لقد استشف يعقوب النبيّ عليه السلام، من الرؤيا التي أراها الله لابنه الصغير، أنها دالة علي تخصيص الله ليوسف بعلم تعبير الرؤي، وتأويل الأحاديث.
والمراد بالأحاديث في قوله: ويُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ الرؤي التي يراها الراءون في منامهم، ولا أقول الأحلام التي يحلم بها النائمون، لأنّ الأحلام قد لا تكون صادقة، فقد تكون أضغاث أحلام، قائمة علي الكوابيس والهلوسات. أما الرؤي فهي إشارات من الله، لها إيحاءات ودلالات، ولها أبعاد واقعية حقيقية.
وسميت هذه الرؤي «أحاديث» لأنّ فيها معنى الحدوث.
قال الإمام الراغب في المفردات: «الحدوث: كون الشيء بعد أن لم يكن، عرضا كان ذلك أو جوهرا... ويقال لكلّ ما قرب عهده محدث، فعلا كان أو مقالا... والحديث: كلّ كلام يبلغ الإنسان ويصل إليه، من جهة السمع أو الوحي، في يقظته أو منامه... ومعنى قوله: وعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ: ما يحدّث به الإنسان في نومه...» (١).
وهذه الأحاديث المنامية التي تحدث للنائم أثناء نومه، ويحدّث هو بها تحتاج إلي تعبير وتأويل.
وتعبير الرؤيا هو تأويلها، أي: بيان بعدها الواقعي، وصورتها المادية الحسية في عالم الواقع.
وسمي تفسير الرؤيا تعبيرا. قال تعالى: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ، إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٢).
قال الراغب في معنى التعبير هنا: «أصل العبر: تجاوز من حال إلي

(١) المفردات: ٢٢٢ - ٢٢٣. باختصار.
(٢) سورة يوسف: ٤٣.


الصفحة التالية
Icon