٢٠ - قولُه تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: لم لا يصدِّقُ هؤلاء المشركونَ بالله، ويُقِرُّون بالبعث، مع ما قد عاينوا من حُجَجِ الله بحقيقة توحيدِه؟.
_________
= مجاهد، وقد ذكر ابن جرير تحت هذا القول أقوال بعض السلف، ولكنهم لم يصرِّحوا بأن الخطابَ للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهم عكرمة والحسن ومرة وسعيد بن جبير، ومجاهد وقتادة والضحاك.
وقد جعل الطبريُّ هذا القول عائداً إلى معنى ما ذكرتُه في المتن، فقال: «فالصواب من التأويل، قول من قال: لتركبنَّ يا محمد حالاً بعد حال، وأمراً بعد أمر من الشدائد، والمرادُ بذلك ـ وإن كان الخطابُ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موجَّهاً ـ جميع الناس أنهم يَلْقَوْنَ من شدائد يوم القيامة وأهوالِه أحوالاً.
وإنما قلنا: عنى بذلك ما ذكرنا، أن الكلامَ قبل قوله: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ جرى بخطاب الجميع، وكذلك بعده، فكان أشبه أن يكونَ ذلك نظيرَ ما قبلَه وما بعدَه».
الثاني: لتركبنَّ يا محمد سماءً بعد سماء، وهذا قولُ ابن مسعود من طريق علقمة، والحسن وأبي العالية من طريق قتادة، ومسروق من طريق أبي الضحى، والشعبي من طريق إسماعيل، وقد ورد وصفُ السموات بالطَّبَقِ في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الملك: ٣، نوح: ١٥]، وهذا القول فيه إشارة إلى عُروج النبي صلّى الله عليه وسلّم للسماء.
الثالث: لتركبنَّ السماءُ حالاً بعد حالٍ من ضُروب التغيُّر التي تَلْحَقُها، من كونها تتشقَّق، وتَحْمَرَّ فتكون وردةً كالدِّهان، وتكون كالمُهْلِ، وغيرها. وهذا قول ابن مسعود من طريق مرة الهمذاني وإبراهيم النَخَعي.
وعلى هذه القراءة يكون الاختلافُ راجعاً إلى أكثر من معنى، وسبب هذا الاختلاف أنه ذكر في الآية الوصف، وهو «طبقاً عن طبق»، وهو محتمِلٌ لأكثر من موصوف، فحمَلَهُ كل مفسِّر على ما يصلُحُ له، ولذا وردَ عن بعضهم فيه قولان.
وقد ورد تأويلاتٌ أخرى عن السلف ذكرَها ابن كثير، وهي داخلةٌ تحتَ هذا السبب، ولا يهولَنَّكَ هذا الاختلاف، إذ الأمر فيه سَهْلٌ، فلا تَسْتَصْعِبه، قال الطاهر بن عاشور: «وجملة ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ نسج نظمها نسجاً مجملاً لتوفير المعاني التي تذهب إليها أفهامُ السامعين، فجاءت على أبدعِ ما يُنْسَجُ عليه الكلام الذي يُرسلُ إرسالَ الأمثالِ من الكلام الجامعِ، البديعِ النسجِ، الوافرِ المعنى، ولذلك كثُرت تأويلاتُ المفسِّرينَ لها».