السابقةِ في حقيقتِها أسباب اختلاف، كما يلاحظُ أن أسبابَ الاختلافِ كأنواعِه، منها ما هو اختلافٌ مُحَقَّق، ومنها ما الاختلافُ فيه أشبه بالصُّوَري؛ لائْتلاف الأقوالِ في النهاية على قولٍ واحدٍ، ولذا سأذكرُ بعضها في الأسباب، ومنها:
١ - الاشتراكُ اللغوي، وهو أن يكونَ للَّفْظِ أكثر من معنى في لغةِ العرب، ومنه تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ﴾ [النبأ: ١٤]، وقوله تعالى: ﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا﴾ [النبأ: ٢٤]، وقوله تعالى: ﴿يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾ [المطففين: ٢٥]، وغيرها.
٢ - التواطُؤ، وهو أن يَشترِكَ الأفرادُ في المسمَّى اشتراكاً متساوياً، فنسبةُ أحدِهم إلى المسمَّى كنسبةِ الآخَر، ويشملُ التواطؤ الأوصاف التي تحتملُ أكثرَ من وصفٍ؛ كالنَّازعات، والخُنَّس، والغاشية، والفجر، والعادِيات، وغيرها.
كما يشمل الضمير الذي يحتملُ رجوعَهُ إلى أكثرِ من مرجع؛ كما في تفسير قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ﴾ [الانشقاق: ٦]، فقيل: ملاقٍ ربَّك، وقيل: ملاقٍ عمَلك، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾ [العاديات: ٧]، قيل: إن الإنسان... ، وقيل: إن ربَّه... ، وغيرها من الأمثلة.
٣ - التفسيرُ بالمِثال، والاختلافُ فيه يعودُ إلى قولٍ واحدٍ، وإنما وردَ الاختلافُ بينهم بسببِ أنهم عمدوا إلى ذكرِ أمثلةٍ للمعنى العام؛ كتفسيرهم قولَ اللَّهِ تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١]، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر: ٨]، والله أعلم.
٤ - أن يكونَ تفسيرُ المفسِّرِ على اللفظ، ويكونَ تفسيرُ غيره على المعنى أو القياس، وهذه هي الأصول التي يعود إليها التفسير:
أما التفسيرُ على اللَّفظ، فهو تفسيرُ اللَّفظ بما وردَ في لغةِ العرب.