٨ - ٩ - قولُه تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ *يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾؛ أي: إنَّ اللَّهَ يستطيعُ أن يَرُدَّ الإنسانَ بعد موته، فيُحْيِيه، وذلك كائنٌ يومَ تُختبرُ ضمائرُ الناسِ وما يخفونَه، فتظهرُ هذه المَخْفِيَّات أمامهم (١).
١٠ - قولُه تعالى: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾؛ أي: في هذا اليومِ ليس لهذا الإنسانِ الكافرِ من قوة في ذاته يدفعُ بها عن نفسِه، ولا أحدٌ من الخلق مُعينٌ له من عذاب الله.
_________
= وورد عن ابن عباس من طريق العوفي: الترائب: أطراف الرِّجل واليدان والرِّجلان والعينان. وعن الضحاك من طريق أبي روق: اليدان والرِّجلان، وعنه من طريق عبيد المكتب: عيناه ويداه ورِجلاه.
(١) ورد في تفسير الضمير في قوله: «رجعِه» قولان:
الأول: أنه يعودُ على الإنسان، وفيه تأويلان: الأول: إنه على رجعِ الإنسان بعد مماته لقادر، وهو قول قتادة من طريق سعيد. الثاني: إنه على رَدِّ الإنسان ماءً لقادر، وهو قول الضحاك من طريق عبيد ومقاتل بن حيان.
الثاني: أنه يعود على الماء، وفيه تأويلات: الأول: إنه على رَدِّ الماء في الصُّلب لقادر، وهو قول عكرمة من طريق أبي رجاء. الثاني: إنه على رَجْعِهِ في الإحليل لقادر، وهو قول مجاهد من طريق ليث وعبد الله بن أبي بكر وابن أبي نجيح. الثالث: إنه على رَدِّ الماء وحبسِه فلا يخرجْ لَقادر، وهو قول ابن زيد.
والقول الأول هو الراجح، قال الطبري: «وأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: إن الله على رَدِّ الإنسان المخلوقِ من ماءٍ دافقٍ من بعد مماته حيّاً، كهيئتهِ قبل مماته، لقادر. وإنما قلت: هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب؛ لقوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾، فكان في إتباعه قوله: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ نبأٌ من أنباء القيامة، دلالة على أنَّ السابق قبلها أيضاً منه، ومنه: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ يقول تعالى ذكره: إنه على إحيائه بعد مماته لقادر يومَ تُبلى السرائر، فاليوم من صفة الرجع، لأن المعنى: إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر».
وقال ابن القيم: «والقول الأول هو الصواب لوجوه: أحدها: أنه المعهودُ من طريقة القرآن من الاستدلال بالمبدأ على المعاد... الثالث: أنه لم يأت لهذا المعنى [أي: رد الماء إلى الصلب أو الإحليل] في القرآن نظيرٌ في موضعٍ واحد، ولا أنكرَه أحدٌ حتى يقيم سبحانه الدليل عليه... الخامس: أن الضمير في «رجعه» هو الضمير في قوله: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾، وهذا للإنسان قطعاً، لا للماء...». (التبيان في أقسام القرآن: ٦٦).


الصفحة التالية
Icon