على قوَّتِهم، ولذا قال: التي لم يُخلقْ في بلادِ الله التي حولَهم مثلهم في القوَّة والشدَّة؛ كما قال الله فيهم: ﴿إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا﴾ [الأعراف: ٦٩]، وقال: ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ [الشعراء: ١٣٠].
٩ - قولُه تعالى: ﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾؛ أي: وكيف فعلَ بثمود قوم النبي صالح عليه السلام الذين شقُّوا الجبال (١) التي في واديهم فنحَتوا منها البيوت؟؛ كما قال الله عنهم: ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ [الحجر: ٢٨].
١٠ - قولُه تعالى: ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ﴾؛ أي: وألم ترَ كيف فعلَ ربُّكَ بفِرعون مصرَ صاحبِ الأوتاد؟، وهي أخشابٌ أو حديدٌ يُثَبِّتُهَا في الأرض، كان يعذِّب بها الناس، أو هي الملاعبُ التي صُنِعَتْ له منها (٢).
_________
= قال: عنَى بذلك أنهم كانوا أهل عمود سيارة؛ لأن المعروف في كلام العرب من العِماد: ما عمل به الخيام من الخشب والسواري التي يحمل عليها البناء، ولا يُعلم بناء كان لهم بالعماد بخبر صحيح، بل وجَّهَ أهلُ التأويل قوله: ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ إلى أنه عُني به طولُ أجسامِهِم، وبعضهم إلى أنه عُني به عمادُ خيامِهم، فأما عمادُ البُنيان، فلا يُعلمُ كثيرُ أحدٍ من أهلِ التأويل وجَّهه إليه، وتأويلُ القرآنِ إنما يوجَّه إلى الأغلب من معانيه ما وُجِدَ إلى ذلك سبيل دون الأنكر».
(١) ورد عن السلف اختلافُ عِبارة في تفسير هذه اللفظة، فعن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة: «خرقوها»، ومن طريق العوفي: «ينحتون من الجبال»، وكذا ورد عن قتادة من طريق سعيد، وورد عنه من طريق معمر: «نقبوا الصَّخر»، وعن الضحاك من طريق عبيد: «قَدّوا الصخر»، وهذه العبارات ترجع إلى معنى واحد، فهي عباراتٌ متقاربةُ المعنى لبيانِ معنى الجَوْب، وورد عن ابن زيد تفسيره: ضربوا البيوتَ والمساكنَ في الصخر في الجبال، حتى جعلوها مساكن»، وهذا ليس تفسيراً مطابقاً لمعنى الجَوْب، وإنما هو تفسير على المعنى، والله أعلم.
(٢) اختلفَ السلفُ في تفسير الأوتاد على أقوال:
الأول: الجنود، وهو قولُ ابن عباس من طريق العوفي.
الثاني: الحبالُ التي كان يُوتِدُ بها الناس فيعذِّبهم، وهو قول مجاهد من طريق ابن أبي =


الصفحة التالية
Icon