٢١ - ٢٣ - قولُه تعالى: ﴿كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا *وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *وَجِيىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾: ليس الأمرُ كما تتعاملونَ به في هذه الأعمالِ المذكورة، ثم أخبرَ عن أسَفِهِم على هذه الأعمالِ القبيحةِ إذا دُكَّتِ الأرضُ دكًّا دكًّا وما بعدَها من الأهوال، فإنهم يتذكرونَ حين لا ينفعهم التذكُّر، فقال: ﴿إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا﴾؛ أي: حُطِّمَتِ الأرضُ وضُرِبَ بعضُها ببعض، وجاء الربُّ سبحانَه مجيئاً يليقُ بجلاله وعَظَمَتِه، وملائكته في هذه الحال يقفونَ صفوفاً تعظيماً له، وجاءت ملائكةُ العذاب يومَ أنْ دُكَّتِ الأرضُ وجاء الربُّ، جاءوا بجهنَّمَ يجرُّونها لها سبعونَ ألفَ زِمام، لكلِّ زمامٍ سبعونَ ألفَ مَلَكٍ يجرُّونها، فعند ذلك يتَّعِظُ الإنسان ويتنبَّه إلى ما كان عليه من الضلال، ولكن لا ينفعه هذا التذكُّر والاتِّعاظ؛ فكيف تنفعُه الذكرى وهي ليست في وقتها؟.
٢٤ - قولُه تعالى: ﴿يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾؛ أي: لما عاين هذا الإنسان المفرط هذه الأمور، يقول متمنِّياً: يا ليتني قدَّمتُ عملاً صالحاً لحياتي الآخرةِ الباقيةِ التي لا موتَ بعدَها.
٢٥ - ٢٦ - قولُه تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ *وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾؛ أي: ففي هذا اليومِ لا أحدَ يُعذِّب في الدنيا كعذابِ الله للكافر، ولا أحدَ يُقَيِّد بالرباط في الدنيا كتقييدِ الله للكافر (١)، وهذا لشدَّة عذابِهم.
_________
= ﴿أَكْلاً لَمًّا﴾: يأكلُ ميراثَه وكلَّ شيء، لا يسأل عنه، ولا يدري أحلالٌ أو حرام؟».
وهذا تفسيرٌ جامعٌ لمعنى هذه الآية، وعبَّر بكر المزني عن ذلك بأخصَرِ من هذا فقال: «اللَّمُّ: الاعتداء في الميراث، يأكل ميراثه وميراثَ غيره». والله أعلم.
(١) قال الحسن من طريق معمر: «قد عَلِم الله أنَّ في الدنيا عذاباً ووِثاقاً، فقال: فيومئذ لا يعذِّب عذابه أحدٌ في الدنيا، ولا يوثِقُ وَثاقه أحدٌ في الدنيا».
وقد قُرئَ بفتح الذال والثاء من «يعذَّب» و «يوثَق»، والمعنى: فيومئذ لا يعذَّب أحدٌ في الدنيا كعذاب الكافر، ولا يوثَقُ أحدٌ في الدنيا كوِثاق الكافر. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon