مَقْرَبَةٍ *أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ}: هذا بيانٌ للعَقَبةِ التي تُقْتَحَمُ، وهي هذه الأعمالُ الصالحةُ الشَّاقَّةُ على النَّفْسِ (١)، وهي: عِتْقُ المسلمِ من الرِّقِّ، وتقديمُ الطعامِ للقريبِ الذي فَقَدَ أباهُ وهو دون سِنِّ البلوغ، وللمحتاجِ الذي لَصِقَ بالأرض من شِدَّةِ الفاقَةِ (٢)، تقديمه في اليوم شديدِ المجاعة (٣) لهؤلاء المحتاجين.
_________
= الأولى: بإضافة الفكِّ إلى الرَّقبة، كما هي في المتن.
والثانية: «فَكَّ رقبة» على الفعل، وتكون بدلاً من جملة: ﴿فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾. انظر توجيههما في تفسير الطبري، والتحرير والتنوير.
(١) ورد عن ابن عمر من طريق عطية، والحسن من طريق أبي رجاء وقتادة من طريق معمر أن العَقَبة في جهنم، وقال بعضهم: «جبلٌ في جهنم»، ويكون على هذا: لم يقتحم هذا الجبل الذي في النار؛ لأنه لم يقدِّم هذه الأعمال الصالحة المذكورة، التي مَنْ عَمِلَها جازَ هذه العقبة، والله أعلم.
(٢) وردت عدَّةُ عباراتٍ عن السلف في تفسير المَتْرَبَة، وكلها محتَملَة، وهي:
١ - الذي لَصِقَ بالتراب من شدَّة الفَقر، وهو قول ابن عباس من طريق مجاهد وسعيد بن جبير، ومجاهد من طريق الحصين وابن أبي نجيح، وعكرمة من طريق جعفر بن برقان ومعمر.
٢ - شديدُ الحاجة، وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وعكرمة من طريق حصين، وابن زيد.
٣ - ذو العِيال الذي لا شيءَ معه، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، وسعيد بن جبير من طريق جعفر بن أبي المغيرة، وقتادة من طريق سعيد، والضحاك من طريق عبيد.
قال الطبري: «وأولى الأقوالِ في ذلك بالصحَّة قول من قال: عنى به: أو مسكيناً قد لصقَ بالترابِ من الفقر والحاجة؛ لأن ذلك هو الظاهرُ من معانيه، وأن قوله (متربة) إنما هي مَفْعَلَةٌ من تَرِبَ الرَّجلُ: إذا أصابه التراب». وهذا الترجيح ينتظمُ فيه كل الأقوالِ المذكورة، وما ليس منها مطابِقاً للمعنى الذي اختارَهُ، فإنه مقارِبٌ له في المعنى، ومن ثمَّ فإن هذا الاختلاف يرجع إلى معنًى واحدٍ، والله أعلم.
(٣) فسَّر السلف المَسْغَبة بالمجاعة، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق العوفي ومجاهد، وعكرمة من طريق جعفر بن برقان، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، والضحَّاك من طريق عبيد، وقتادة من طريق سعيد، وعبارته جاءت على التفسير على المعنى، حيث قال: «يوم يُشتهى فيه الطعام».


الصفحة التالية
Icon