٧ - قولُه تعالى: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾؛ أي: فأيُّ شيءٍ يجعلُكَ أيها الإنسانُ بعدَ هذا البيانِ لا تصدِّقُ بيومِ الحساب (١)، وقد وَضَحَتْ دلائلُ
_________
= وسببُ هذا الاختلاف الاشتراك اللغوي في لفظ «ممنون»، وهو محتملٌ لما قيل من هذه التفاسير، ويكون الاختلاف فيه راجعاً إلى أكثرِ من معنى، والله أعلم.
(١) أوردَ الطبريُّ في تفسير «الدين» قولين:
الأول: الحساب، وذلك عن عكرمة من طريق النضر بن عربي.
والثاني: حُكْمُ الله، عن ابن عباس من طريق العوفي، ثمَّ قال: «وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: الدين في هذا الموضع: الجزاء والحساب، وذلك أنَّ أحدَ معاني الدِّين في كلام العرب: الجزاء والحساب، ومنه قولهم: «كما تَدينُ تُدان»، ولا أعرِفُ في معاني الدِّينِ الحكمَ في كلامهم، إلاَّ أن يكونَ مُراداً بذلك: فما يُكذِّبُكَ بعدُ بأمرِ الله الذي حكمَ به عليكَ أن تُطيعه فيه، فيكون ذلك».
يُحْتَمَلُ أن ابن عباس فسَّر الدين هنا بالشريعة، وهي حُكْمُ الله، ومنه قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِيَاخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ [يوسف: ٧٦]؛ أي: في حُكمه، والطبري قد فسَّره بهذا المعنى في هذه الآية، وهو ما أشارَ إليه في توجيه ما روي عن ابن عباس، ويكون المعنى على قول ابن عباس: فمن يكذِّبُكَ بعدَ هذا البيان بحُكم الله الذي أنزلَه عليك، وهذا معنًى مُحتمل، وإن كان الأول أنسب منه للسياق، وعليه فهو أرجح، وبهذا يكون الخلافُ بسبب الاشتراك اللغوي في لفظ «الدين»، ويكون الخلاف فيه راجعاً لمعنيين محتمَلين.
ويُحتمل أن ابن عباس أرادَ بالحُكم القضاء، وكأنه اعتبر في هذا التفسير الآية بعدها، ويكون المعنى: فمن يكذّبك يا محمد بعد هذا البيانِ في حُكم الله وقضائِه، وهو أحكمُ الحاكمين، والله أعلم.
ومما يلاحظ في ترجيح الطبري أمران:
الأول: أنه رجَّح قول التابعي تلميذِ ابن عباس على قول شيخه الصحابيِّ ابن عباس، وهذا يُشْعِرُ بأن الطبريَّ يجعلُ مفسِّري السلفِ في التفسير في طبقةٍ واحدة عند الترجيح، ولا يقدِّم قول فلان لأنه من الصحابة، وهذا المنهجُ هو الغالبُ عليه، وإن كان في بعض المواطِنِ يقدِّم قولَ الصحابة وينبِّه على ترجيحِه لقولهم؛ لأنهم الصحابةُ العالمينَ بالتنزيل، وهذا منهجٌ يحتاجُ إلى استقراءٍ ودراسة.
الثاني: أنَّ الطبري قال: ولا أعرفُ من معاني الدين في كلامهم... ، ألا يكفي ورود تفسير هذه اللفظة عن حَبْرِ الأمة ابن عباس، وهو عربيٌّ يُحتجُّ بعربيَّتِه؟!


الصفحة التالية
Icon