قوله: ﴿السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ لا يستطيعونَ مخاطبةَ الله في يوم القيامة إلا بإذنه، كما سيرِدُ في الآية بعدَها.
٣٨ - قولُه تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَقَالَ صَوَابًا﴾؛ أي: لا يملِك الخلقُ من الله مخاطبته في هذا اليوم الذي يقومُ فيه هذا الخلق العظيم ـ الروح (١) والملائكة ـ صفًّا، تعظيماً لله، كما لا يستطيعون مكالَمته إلا مَنْ قَبِلَ الله منه أن يتكلَّم، وتكلَّم بالحق،
_________
(١) وقع خلاف بين السلف في تحديد الروح على أقوال:
الأول: أنه ملَك من أعظم الملائكة، وردَ ذلك عن ابن مسعود وابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، مع زيادةٍ في تفصيل خلقه عند ابن مسعود.
الثاني: أنه جبريل، ورد ذلك عن الشعبي والضحاك من طريق سُفيان وثابت.
الثالث: خَلْقٌ من خَلْقِ الله في صورة آدم، ورد ذلك عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح ومسلم وسليمان، وأبي صالح من طريق إسماعيل ابن أبي خالد، والأعمش.
الرابع: أنهم بنو آدم، ورد ذلك عن الحسن وقتادة من طريق معمر وسعيد.
الخامس: أنه أرواح بني آدم، عن ابن عباس من طريق العوفي.
السادس: أنه القرآن، عن زيد بن أسلم من طريق ابنه عبد الرحمن، واستشهد لذلك بقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢].
وقال الطبري ـ معلقاً على هذه الأقوال ـ: «والروح خَلْقٌ من خلقه، وجائز أن يكون بعض هذه الأشياء التي ذُكرت، والله أعلم أي ذلك هو، ولا خبرٌ بشيء من ذلك أنه المعني به دونَ غيره يجب التسليم له، ولا حجة تدل عليه، وغير ضائر الجهل به».
والروحُ فيما يظهر من هذه الأقوال أمرٌ غيبي، والمرجع فيه إلى الأثر عن المعصوم في خبره، ولم يرِد إسناد شيء من هذه الأقوال إليه، ويظهر على بعضها أنها اجتهاد من قائله نظر فيه: إما لقرآن؛ كالقول بأنه جبريل؛ لوروده صراحة في غير هذا الموضع بهذا الوصف؛ كقوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ﴾ [الشعراء: ١٩٣]، والقول بأنه القرآن، لوروده في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢]، وإما لدلالة عقل وإطلاق لغوي؛ كمن قال: هم بنو آدم، أو أرواحهم، في مقابل ذكر الملائكة.
أما القول الأول الذي ورد عن ابن عباس وابن مسعود فممَّا لا يمكن أن يُعلم إلا من طريق الوحي، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن الصحابيَّ إذا فسَّرَ شيئاً غيبياً، فإن الأصلَ قَبول قوله، ما لم يَرِدْ ما يدل على أنه لم يتلقَّه من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والله أعلم. =


الصفحة التالية
Icon