١١ - قولُه تعالى: ﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً﴾؛ أي: كيف نرجِعُ إلى حالِنا الأوَّل، وقد تحلَّلت أجسامُنا وصِرنا عظاماً باليةً فارغة (١).
_________
= والاستفهام جاء على سبيل التعجُّبِ من حُصول البعث الذي ينكره هؤلاء، وجاء الفعل «يقولون» مضارعاً؛ لإفادة تجدُّد هذا الحديث، وحصوله منهم مرة بعد مرة.
والحافِرة عند العرب: رجوع المرء من الطريق الذي أتى منه، يقولون: رجع فلان إلى حافرته؛ أي: إلى طريقه الذي جاء منه؛ كأنه يتبع حفر قدميه في الأرض في حال رجوعه، ومنه قول الشاعر:
أحافِرةٌ على صَلَعٍ وشيبِ | معاذَ الله من سَفَهٍ وطيشِ |
١ - الحياة بعد الموت، وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة وعطية العوفي، وقتادة من طريق معمر وسعيد، ومحمد بن قيس أو محمد بن كعب القرظي، والسدي من طريق سفيان الثوري.
٢ - الأرض، وهو قول مجاهد من طريق عبد الله بن أبي نجيح، وقال: «الأرض، نبعث خلقاً جديداً». وقوله في ما يظهر لا يخالف القولَ الأولَ إلا في العبارة، والنتيجة واحدة في القولين؛ لأن العودَ للحياة سيكون على الأرض، وهذان القولان يناسبان المعنى اللغوي للحافرة؛ لأنهما يدُلاَّن على أن الإنسان يعود إلى ما كان عليه قبل موته، والله أعلم.
٣ - النار، وهو قول ابن زيد، وقد جعل الحافرة اسماً للنار، وهو مخالف لقول الجمهور، ولو لم ينص على أنها من أسماء النار لاحتمل أن يكون تفسيره مقبولاً على أنه أراد التنبيه على المآل الذي يصيرُ إليه الكافر، فيكون تفسيره على المعنى، لا على مطابق اللفظ، وسياقُ الآيات بعدَها يُضعف أن يكون المراد بالحافرة النار؛ لقوله: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات: ١٣ - ١٤] على ما سيرِد في تفسيرها، والله أعلم.
(١) عبَّر ابن عباسٍ من طريق العوفي عن ذلك بالفانية البالية، وعبَّر قتادة من طريق سعيد بالبالية، وعبَّر مجاهد من طريق ابن أبي نجيح بالمرفوتة، أي: المحطمة المدقوقة. وهذا من اختلاف التنوع الذي يكون التعبير فيه عن المعنى بألفاظ متقاربة.
وقد ورد في لفظ «نخِرة» قراءتان: الأولى بلا ألف، والثانية بألف على وزن فاعل، ومعناهما واحد، وقيل باختلافهما في المعنى. فالنَّخِرَة: البالية، والنَّاخِرة، المجوَّفة التي تنخر الريح في جوفِها إذا مرت بها، وتفسير السلف يدل على أن معناهما واحد، إذ لم يرد عنهم التفريق بين المعنيين، والله أعلم.