١٥ - ١٦ - قولُه تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى *إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوى﴾: استفهامٌ للتشويق لخبرِ موسى بن عمران، والمعنى: هل جاءك خبرُ موسى حين كلَّمه الله نداءً في وادي طُوى المطهَّر (١).
١٧ - قولُه تعالى: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾؛ أي: ناداه أنِ اذْهَبْ إلى فرعونِ مصر، إنه قد تجاوزَ الحدَّ في العُدوان والتكبُّر (٢).
١٨ - قولُه تعالى: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾؛ أي: اعرض عليه أن
_________
(١) اختلفت عبارة السلف في تفسير طُوى على أقوال:
الأول: أنه اسم الوادي، عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد، وابن زيد، وهذا هو أظهر الأقوال، والله أعلم.
الثاني: أنه أمرٌ لموسى بأن يطأ الأرضَ بقدميه، عن ابن عباس من طريق عكرمة، ومجاهد من طريق ابن جُريج، وعكرمة من طريق يزيد.
الثالث: بمعنى الذي طويتَه، عن ابن عباس من طريق العوفي. ويكون المعنى: بالوادي المقدَّس الذي طواه موسى مشياً بقدميه، ويكون «طُوى» مصدراً خرجَ من غير لفظه.
الرابع: أن طُوى بمعنى مرتين، عن الحسن من طريق ابن جريج، ومجاهد من طريق ابن جريج. ويكون ـ على قولهم ـ مصدراً من غير لفظه، وهو الشيء الذي يثنَّى؛ أي: يكرَّر مرة بعد مرة، وقد يكون مفعولاً مطلقاً للمقدَّس، ويكون المعنى: بالوادي المقدس مرتين، أو يكون لناداه، فيكون المعنى: ناداه مرتين في الوادي المقدس.
وهذه التفاسير مبنيَّة على قراءة طُوى، فقُرئت بالتنوين طوى، وبتركه. (انظر: تفسير الطبري، ط: الحلبي: ١٦: ١٤٦ - ١٤٧).
(٢) فِرعون لَقب ملِك مصرَ في عهد الفراعنة، وقد كان في عصر إبراهيم ويوسف يلقَّب بالملك، كما ورد في سورة يوسف وفي قصة إبراهيم في السنَّة، وهذا يعني أن مصر مرَّت بمرحلتين في الحكم، وهي مرحلة الملوك، وهم من يُطلق عليهم في التاريخ المصري «الهِكْسُوس»، ومرحلة الفراعنة، ومنهم فرعون موسى الذي تربَّى موسى في بيته. وهل فرعون الولادةِ هو فرعون الخروج، أم لا؟ في ذلك خلاف بين المؤرخين الذين درَسوا هذه الفترة، ونصُّ القرآن يعطي أنه فرعونٌ واحد؛ كقوله تعالى: ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ [الشعراء: ١٨] والله أعلم بما كان، وليس في ذلك كبير أهمية، غير أن النفس تتطلَّع لما غاب عنها بشيء من الاهتمام.