مظلماً، وأظهرَ ضُحاها بنور الشمس (١).
٣٠ - قولُه تعالى: ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾؛ أي: بسَطَ الأرضَ (٢) بعد خلقِ السماء وإغطاشِ ليلِها وإخراجِ ضُحاها (٣).
٣١ - قولُه تعالى: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾؛ أي: أظهرَ من الأرضِ ماءها وكلأها من النبات (٤).
_________
(١) لمَّا كان طلوعُ الشمس وغروبها ينتجُ عنهما ظلمة الليل وضَوء الضُّحى، والشمس في السماء، أضاف ظلمة الليل وضَوء الضحى إليها. هذا من قول الطبري في تفسيره.
(٢) ورد التفسير بذلك عن: قتادة من طريق سعيد، والسدي من طريق أبي حمزة، وسفيان من طريق عبد الرحمن.
وعبَّر ابن زيد عن ذلك بقوله: «﴿دَحَاهَا﴾ حرثها وشقَّها، وقال: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾ [النازعات: ٣١]، وقرأ: ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا﴾ حتى بلغ: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ [عبس: ٢٩ - ٣١]، وقال: حين شقَّها أثبت هذا منه، وقرأ: ﴿وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق: ١٢]». فجعل الدَّحو مفسَّراً بما بعدها، وكذا ورد عن ابن عباس. وهذا من تمام الدَّحْوِ لا من تفسيره على لفظه، والله أعلم.
(٣) أشكل على بعض العلماء هذ النظم في سياق خلق السماء والأرض، ذلك أنَّ الله ذكرَ في أكثرَ من موضعٍ خلقَ الأرض قبل خلق السماء؛ مثل قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾، وقال: ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ *وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ [فصلت: ٩ - ١٢].
والجواب الصحيح في ذلك ما ذهب إليه حَبْرُ الأمة ابن عباس، وفَحْوَاه: أنَّ الله خلق الأرض في يومين غير مَدْحُوَّةً، ثم استوى إلى السماء فخلقها، ثم دحا الأرض، فالخلق غير الدَّحو الذي تتحدث عنه آية النازعات. انظر: (تفسير الطبري، وفتح الباري، سورة فصِّلت من كتاب التفسير)، وانظر: (تأويل مشكل القرآن: ٦٧، وتهذيب اللغة: ٢: ٢٤٣).
وقد جعل مجاهد والسدِّي المعنى: والأرض مع ذلك دحاها، وهذا يبين أن الإشكال قد ورد عليهما، فخلصا منه بهذا التأويل، وهو ضعيف؛ لأن دلالة الآية واضحة على قول ابن عباس، ولا تحتاج إلى تأويل «بعد» بمعنى «مع»، وبقاء اللفظ على معناه، مع صحة تأويل الآية، أَوْلى من جعله بمعنى لفظٍ آخر يُحمل عليه تأويل الآية.
وقد ذكر بعض اللغويين أن «بعد» بمعنى «قبل»، وهذا لتخريج الإشكال الوارد على الآية، ويقال فيه ما قيل في القول الذي قبله.
(٤) هذا الإخراج من توابع دَحْوِ الأرض، والآية تُثبت أن الماء الذي في الأرض أصله من =


الصفحة التالية
Icon