سورةُ عَبَسَ
نَزَلَتْ سورةُ عَبَسَ بِشأنِ عبد الله بن أمِّ مكتوم، قالت عائشة: أتى إلى رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، فجعلَ يقول: أَرْشِدْني، وعندَه من عُظماء المشركين. قالت: فجعلَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُعْرِضُ عنه، ويُقْبِلُ على الآخر، ويقول: أترى بما أقولُه بأساً؟ فيقول: لا، ففي هذا أُنزلت: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾.
١ - ٢ - قولُه تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى *أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى﴾؛ أي: قَطَّبَ وجهَه وكَلَحَ؛ لأجل أن جاءه الأعمى يسترشِدُ عن الدِّين، وأعرضَ وانشغلَ عنه بالغني الكافر رجاءَ أن يُسلم (١).
٣ - قولُه تعالى: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾؛ أي: وما يُعْلِمُكَ، لعلَّ هذا الأعمى الذي عَبسْتَ في وجهه يتطهَّر من ذنوبه بموعظتِك، فيُسْلِم؟ (٢).
٤ - قولُه تعالى: ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى﴾؛ أي: فإن لم يقع منه تزكٍّ، حصلَ الاتِّعاظ بالموعظة، فتنفعَه ولو بعد حين؟ (٣).
_________
(١) جاء الخطابُ على صيغة الغيبة تلطّفاً في عِتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم. وجاء ذكر عبد الله بن أمِّ مكتومٍ بوصفه إشعاراً بعُذره في عدم معرفته بانشغال الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وترقيقاً لقلب النبي صلّى الله عليه وسلّم لأجل علَّته، وهي العَمَى، حيث يحتاج من الرعاية ما لا يحتاجها غيره، والله أعلم.
(٢) عبَّر ابن زيد عن معنى «يزَّكى» فقال: يُسلم، وهذا فيه إشارة إلى أن ابن أم مكتوم لم يسلم بعد، وقد سبق بيان كليَّة تفسيريَّة لهذا اللفظِ عند ابن زيد، وهي أن التزكِّي في القرآن بمعنى الإسلام.
(٣) في ذكر التزكي وبعده التذكر، وهو حصول أثر التذكير احتمالان:
الأول: أن يكون الأمر من قَبيل التَّخْلِية والتَّحْلِية، فالتزكي: تطهير، وهذا جانب التخلية، وحصول التذكر في القلب تحلية. =


الصفحة التالية
Icon