فاكهةً من ثمار هذه الأشجار يتفكَّهُ الناس بأكلِها، وعشباً تأكله أنعامُهم في المرعى (١).
٣٢ - قولُه تعالى: ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾؛ أي: جعلنا هذا الطعامَ منفعةً لكم، تنتفعونَ به أنتم وأنعامكم مدةً من الزمان، ثم ينتهي هذا الانتفاع.
_________
(١) جعل السلف الفاكهة للناس، فقال الحسن من طريق مبارك: الفاكهة: ما يأكل ابن آدم، وقال مجاهد من طريق ابن أبي نجيح: ما أكلَ الناس، وقال قتادة من طريق سعيد: أما الفاكهة فلكم، وقال ابن زيد: الفاكهة لنا.
أما الأبّ، فالجمهور على أنه الكلأ والعشب الذي للحيوان، وقد عبَّر السلف عن ذلك بقولهم: الأبُّ: ما أنبتت الأرض مما لا يأكل الناس، أو الكلأ والمرعى كله، ورَدَ ذلك عن ابن عباس من طريق كليب بن شهاب، وعن سعيد بن جبير، وعن العوفي، وعن مجاهد من طريق الأعمش أو غيره وسفيان وابن أبي نجيح، والحسن من طريق مبارك ومعمر ويونس، وقتادة من طريق سعيد، والضحاك من طريق عبيد، وابن زيد.
وعبر أبو رزين، فقال: الأبُّ: النبات. وهذا أعمُّ من الأقوال التي ذكرت.
ووردَ عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، أنه الثمار الرطبة، وهو غريب.
ونُسب للضحاك أنه التِّبن (الدر المنثور)، ويجوز أن يعودَ إلى معنى النبات أو العشب على أنه يَبِيسُهما، فيكون فسِّر بمآل الأبِّ لا عينهِ، والله أعلم.
وأصل الأبِّ في اللغة دالٌّ على العَوْدِ؛ أي: أنه الشيء الذي يذهب ثم يعود؛ كقولهم: «أبَّ إلى وطنه»؛ أي: عاد إليه، وهذا المعنى متحقق فيما قاله المفسِّرون في معنى الأبِّ من أنه: النبات، أو العشب، أو الثمار الرطبة، أو التبن؛ لأنها تجيء بعد ذَهاب، غير أن الأوَّل أَوْلى؛ لأنه قول الجمهور، وللإشارة إليه بقوله: ﴿وَلأَنْعَامِكُمْ﴾ على ما فسَّره أصحاب هذا القول، والله أعلم.
أما ما ورد عن صدِّيق الأمة رضي الله عنه من أنه سُئل عن الأبِّ، فقال: «أيُّ سماء تُظِلُّني، وأي أرضٍ تُقِلُّني إن قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم»، فهو منقطع الإسناد.
وما صحَّ عن عمر أنه قرأ هذه الآية، فقال: «قد عرفنا الفاكهة، فما الأبُّ؟ قال: لعمرك يا ابن الخطاب، إنَّ هذا لهو التكلُّف»، وله روايات أخرى. فإنَّ فيه أن عمر لم يعرف معنى الأبِّ، ولعلها ليست من لغة قريش، فجهِلَها. وفيه أنه جعل طلب معرفة ذلك من التكلف، وفي هذا إشكال، وهو هل تطلُّب مثل هذا يدخل في التكلُّف؟! الله أعلم.