١٥ - ١٧ - قولُه تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ *ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ *ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾: هذا تكرارٌ للرَّدِّ على أولئك المكذِّبين، وبيانُ أنهم ممنوعونَ من رؤيةِ اللَّهِ سبحانه (١)، ثمَّ إنهم سيدخُلونَ
_________
= الأعمش: «أرانا مجاهد بيده، قال: كانوا يرون القلب في مثل هذا؛ يعني: الكفَّ، فإذا أذنب العبد ذنباً ضُمَّ منه، وقال بأصبعه الخنصر هكذا، فإذا أذنب، ضمَّ أصبعاً أخرى، حتى ضمَّ أصابعه كلها، ثمَّ يُطبَع عليه بطابع، قال مجاهد: وكانوا يرون أن ذلك الرَّين».
وقد ورد التفسير عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، والحسن من طريق خُليد وأبي رجاء وسفيان الثوري، ومجاهدٍ من طريق منصور والأعمش وابن أبي نجيح، وعطاء من طريق طلحة، وقتادة من طريق سعيد ومعمر، وابن زيد. وقد وردت عنهم في تفسير الرَّين ألفاظٌ متقاربة، وهي: تغشى القلب، غمرتهُ خطاياه، يُطبع على قلبه، غُلِبَ على قلوبهم.
(١) استدلَّ علماءُ السلفِ بهذه الآية على وقوع رؤية المؤمنين ربَّهم يوم القيامة، فقالوا: لما حُجِبَ هؤلاء في حال السخطِ، دلَّ على أن قوماً يرونه في حال الرضا، ويشهدُ لهذا أن الله أثبتَ للأبرار الذين هم مقابل لهؤلاء القوم، أثبت لهم الرؤية بقوله: ﴿عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾، كما سيأتي، فَكَوْنُ هذهِ الآية نظيراً لتلك أَوْلى، والله أعلم.
وقد أورد ابن جرير عن الحسن البصري في تفسيرِ هذه الآية قوله: يكشِفُ الحجاب، فينظرُ إليه المؤمنونَ كلَّ يومٍ غدوة وعشيَّة، وهذه الرواية من طريق عمرو بن عبيد المعتزلي، وكأن الإمام يرمي إلى مخالفة المعتزلة لما رواه عمرو بن عبيد أحد شيوخهم في إثبات الرؤية عن الحسن الذي يَدَّعون ـ زوراً ـ أنه من المعتزلة، والله أعلم.
وقد أورد الطبري قولاً آخر وترجمَ له بقوله: «فقال بعضهم: معنى ذلك: إنهم محجوبون عن كرامته»، وأورد تحت هذه الترجمة قول قتادة من طريق خليد، قال: «هو لا ينظر إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذابٌ أليم». وقول ابن أبي مليكة: «المنَّان، والمُختال، والذي يقتطع أموال الناس بيمينه بالباطل».
وهذا القول أعمُّ من نفي رؤيتهم لربهم، والرؤيةُ أعلى كراماتِ الربِّ لعباده، وعلى هذا فإنه لا تنافي بين القولين من هذا الوجه، ولذا قال ابن جرير الطبري: «وأَوْلى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذِكره أخبرَ عن هؤلاء القومِ أنهم عن رؤيته محجوبون، ويُحتمل أن يكونَ المرادُ به الحجاب عن كرامته، وأن يكون المراد به الحجاب عن ذلك كلِّه، ولا دلالةَ في الآية تدلُّ على أنه مُرادٌ بذلك الحجابِ معنى دون معنى، ولا خبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قامت حُجته. فالصوابُ أن يقال: هم محجوبون عن =


الصفحة التالية
Icon